مدخل:
القنفذة جزء غال من محافظات مملكتنا العظيمة، تتبع منطقة مكة المكرمة إداريا، وهي إحدى أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة، حيث تقدر مساحتها بحوالي 7,032 كم²، وتأتي في المرتبة التاسعة بين محافظات المملكة من حيث المساحة، تطل غرباً على ساحل البحر الأحمر ويمر بها الطريق الساحلي الدولي جدة - جيزان، وتبعد عن إمارة منطقة مكة المكرمة 360 كم جنوباً، وتبعد عن مدينة جدة 334 كم تقريباً ومن الشرق يحدها منطقة الباحة ومحافظة العرضيات، ومنطقة عسير، وقد تطورت كثيرا في ظل حكومتنا الرشيدة، وبلغت أوج حضارتها بما تزخر به من خدمات ومرافق، ويوجد في هذه المحافظة عدد من فحول الأودية التهامية مثل وادي دوقة، الأحسبة، قنونا، يبه ووادي حلي، والموضع المراد تحقيقه هو من وادي قنونا الذي يعد واحدا من أكبر الأودية في جنوب غرب المملكة العربية السعودية حيث يبلغ إجمالي طوله حوالي 108 كيلو مترات، تبدأ روافد هذا الوادي من أعالي جبال الحجاز من بلاد العوامر جنوب غرب وادي العشر إلى بلاد بني المنتشر ويتجه في جريانه منحدرا نحو الغرب. يمتاز هذا الوادي بغزارة مياهه وعذوبتها وبكثرة بساتينه وتنوع محاصيله الزراعية التي منها القمح والدخن والسمسم والتي كانت تنتج بكميات تجارية سابقا، ويشتهر كذلك بزراعة النخيل.
قبل أكثر من خمسة عشر عاما، كنت في مجلس شيخنا وأستاذنا حسن بن إبراهيم الفقيه، وكنت قد سألته عن موقع الجوينية/ الجونية من قنونا، فأشار بأنه لا يعرفها، ومن وقتها كاد الموضوع أن يكون مستعصيا، فمن أنا لأحدد موقعها بعد شيخنا البارع في اكتشاف ما هو عسير؟!، مرت الأيام وحينما كنت أحقق في بلد حرام من كنانة، عاد التساؤل وعاد البحث مرة أخرى ولكن بدون شيخنا وحبيبنا فقد توفى رحمة الله عليه، اجتهدت، وحاولت أن أصل إلى تحديد الموقع، وأزعم ولله الحمد أنني قد وصلت إليه، وفي هذه الورقة سأتطرق لتحديدها بالأدلة بحول الله عز وجل.
الجوينية/ الجونية عند الهمداني
وردت الجونية ثلاث مرات لدى الهمداني الجونية ص 120 ومرة مصغرة الجوينية ص 188, والثالثة مصحفة (الحوتيية) ص 133, ووردت في ثلاثة سياقات شبه مختلفة. وسنعرض الثلاثة السياقات كل على حدة للتوضيح.
1- الجونية ص 120 (بلد حرام من كنانة: وهو وادي أتمة وضنكان وهو معدن غزير ولا بأس بتبره، والحرّة حرّة وكنانة والمعقد وحلي وهو مخلاف وقصبتها الصّحارية موضع رؤساء بني حرام والجّو ووادي لومة ووادي الفراسة والجونية ووادي المحرم ودعنج وعشم معدن وقرية وحلى العليا والسّرين ساحل كنانة هو وحمضة).
نجدها هنا موضعا من بلد بني حرام من كنانة دون الإشارة إلى أنها من قنونا وإن كانت متوسطة المواضع بين حلي وعشم..
2- الجوينية مصغرة ص 188 (محجة صنعاء إلى مكة طريق تهامة: من صنعاء صلِّيت من البون..... ثم المعقد ثم حلي ثم الجو ثم الجوينية من قنونا وتسمى القناة ثم دوقة وهي للعبديين من بقايا جرهم ثم إلى السَّرين ثم لمعجز ثم الخيال ثم إلى يلملم ثم ملكان ثم مكة، هذه طريق الساحل).
ونراها ذكرت هنا ضمن طريق الحاج محددة بما قبلها الجو (جو حلي)، ومرتبطة بقنونا وأنها منها ومتبوعة بدوقة، فهي بين حلي جنوبا ودوقة شمالا.
3- الحوتيية ص 155 (وكثير من مياه تهامة أملاح فمنها المعجر والجبال والحوتيية وجوّ حلي وكل ما قارب الساحل جميعاً أملاح إلا اليسير)، ونجدها هنا مصحفة بدلا من الجوينية، كما أن سياق النص يدل على قربها من جو حلي، وأنها من مناطق الملح في تهامة.
من خلال النصوص الثلاثة السابقة، يتضح ما يلي:
1 - أن الجوينية هي الجونية مصغرة، لأنها في نفس الموضع بين حلي ودوقة.
2 - أن الجوينية من قنونا حصرا، وتسمى القناة.
3 - أن الجوينية من الأملاح المشهورة في تهامة.
فالجوينية من قنونا هي موضع ومحطة على طريق الحاج، وحينما نتتبع طريق الحاج، فإنها تذكر بعد جو حلي، وكانت تذكر المحطات في كتب البلدانيين، كمراحل، فما بين جو حلي ثم الجوينية مرحلة وبين الجوينية ودوقة مرحلة ثم السرين (الوسقة) مرحلة ثم المعقر مرحلة، ويمكن استشفاف المسافات بين المراحل من هذا السرد ليظهر أن المرحلة مسافتها ما بين 30 إلى 50 كم تقريبا، ولتوضيح طريق الحاج من خلال الخارطة التالية:-
أدلة تحديد الموقع
الجوينية وهي من قنونا وتسمى القناة وبتتبعها على أرض الواقع ستكون عند التحام آخر رافد لقنونا (شسع) بوادي قنونا القادم من الجارة غرب ملاقي الأودية وارتباط الفرع الصغير جدا المسمى الجارة وبهذا تتكون قناة الوادي المفردة هذا إذا اعتبرنا القناة والمقصودة بها الوادي (مجرى السيل)، فهذا سبب أول للتسمية، وإذا اعتبرنا الجوينية بمعناها اللغوي فهي السوداء، ولا يوجد معلم في هذا الموضع يتصف بالسواد سوى سلسلة الآكام السوداء, والغريبة الشكل، المختلفة عن بقية الجبال القريبة منها شرقا, فضلا أن هذه الجبال الجونية تشكل في امتدادها وانحصارها عن بقية الجبال شكل القناة (العصا)، ومما يعزز ما نذهب إليه أن المنطقة تقع على طريق الحاج الطريق التي تحاذي بداية السهل بالجبل، وما زالت هذه الطريق معروفة إلى الآن وإن اندثرت بسبب تغير الطريق إلى (القنفذة -القوز), وأما الدليل الأخير أن الجوينية من الأملاح المشهور في تهامة، وهذا ما تجده في المنطقة خاصة في المنطقة المعروفة بملاقي الأودية فهي أرض ملحية سبخة، وحتى المناطق المجاورة لها في نفس حدود الجوينية. أهـ
المراجع انظر (معجم البلدان/ 191, 189)، (التطريف في التصحيف، 22), (أساس البلاغة، 158), (فتح المنعم، 397)، (البارع في اللغة، 286)، (الصحاح، 2096)، (خزانة الأدب، 448) (الهمداني، 223)، ويكيبيديا محافظة القنفذة، ويكيبيديا وادي قنونا.
** **
بقلم/ أ. محمد خريص المرحبي - عضو جمعية تراث بمحافظة القنفذة