نعيش هذه الأيام حدثا اقتصاديا لا نبالغ إن وصفناه بالضخم ألا وهو طرح شركة أرامكو أسهمها للاكتتاب العام، هذا الحدث الاقتصادي يعيد إلى ذاكرتنا كمؤرخين ومؤرخات قصة اكتشاف النفط السعودي. تلك القصة التي بفضل الله لا زلنا نرفل بها. ومن واجبنا إيرادها في هذه المناسبة حتى يتعرف كل مواطن ومواطنة في هذه البلاد على تلك القصة العظيمة.
تعود الأحداث إلى عام 1921م عندما كان الملك عبدالعزيز يرحمه الله يبحث عن مورد اقتصادي يساعده في تأسيس دولته وتطويرها، فكان أن أوكل إلى طبيبه البريطاني أليكس مان مهمة البحث عن شركة للتنقيب عن النفط في الأحساء. وانتهى الأمر بتوقيع الملك عبدالعزيز امتياز النفط مع شركة بريطانية هي شركة (النقابة الشرقية العامة) عام 1923م. بدأت الشركة أعمال التنقيب عن النفط ودفعت إيجار السنة الأولى حسب ما نص عليه الامتياز، إلا أنها لم تجد النفط، ثم دفعت إيجار السنة الثانية إلا أنه لم تظهر نتائج تذكر فأصبحت الشركة تعاني من الافتقار للأموال اللازمة للاستمرار في التنقيب مما جعلها تتخلى عن دفع الإيجارات فكان أن ألغى الملك عبدالعزيز الامتياز عام 1928م.
بعد مرور عام على إلغاء الامتياز السابق وتحديداً عام 1929م بدأت بلادنا تعاني من حالة اقتصادية سيئة نتيجة قلة الموارد التي تعود أسبابها إلى عدة أمور لعل أبرزها: الأزمة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت العالم آنذاك مما أدى إلى قلة عدد الحجاج لا سيما وأن الحج في تلك الفترة يعد أكبر مورد اقتصادي لبلادنا. في تلك الأثناء كان رجل الأعمال الأمريكي تشارلز كرين يرسل عدة برقيات للملك عبدالعزيز في محاولة لمقابلته، فوافق الملك عبدالعزيز وحدث اللقاء بين الشخصيتين عام 1931م وأسفر عن إرسال كرين خبير يبحث في موارد بلادنا وهو كارل تويتشل الذي قام بجولة في بلادنا تقارب 18 شهرا كتب بعدها تقريرا كان مما ورد فيه إمكانية وجود النفط في التكوينات الجيولوجية في منطقة الظهران. عزز هذا التقرير اكتشاف النفط بكميات تجارية في جبل الدخان بالبحرين عام 1932م فالمنطقتين متقاربتين من حيث الطبقات الجيولوجية، كل ذلك أعاد الأمل وشجع الملك عبدالعزيز على البحث عن مستثمرين يتولون مهمة البحث عن النفط واستخراجه فكان أن آلت الأمور إلى توقيع الملك عبدالعزيز امتياز النفط الثاني مع شركة أمريكية وهي شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) عام 1933م.
بدأت الشركة مهمة البحث عن النفط واعتمدت في جعل حد طبقة البحرين حداً تتوقف عنده في عمليات الحفر، وبدأت في حفر البئر الأولى في تلال الظهران وبعد جهد تبين أن البئر لا قيمة له، ثم حفروا البئر الثانية ووجدوا نفس النتيجة، ثم بدأوا بالثالثة وأنفقوا عليها أكثر من سابقاتها فأخرجت القليل جداً من النفط، ثم حفروا الرابعة لكن دون نتيجة مما جعل احتمالية أن هذا المكان خال من النفط واردة، حفروا بعدها البئر الخامسة ونفس النتيجة. فجاء قرار الشركة بحفر بئرين في وقت واحد وهي البئر السادسة والسابعة، فلم يخرج من السادسة سوى الخيبة، ولم يبق أمامهم إلا البئر السابعة التي حفرت في قبة الدمام فقررت الشركة كمحاولة أخيرة عدم اعتبار طبقة البحرين هدفاً تتوقف عنده أعمال الحفر ومن الضرورة الحفر فيما هو أعمق منها، فكانت النتيجة أن تفجر النفط بكميات تجارية عام 1938م أي بعد خمس سنوات من توقيع الامتياز ومن العمل المضني. سمي هذا البئر ببئر الخير ثم أطلق على الشركة اسم شركة الزيوت العربية الأمريكيةArabian-American Oil Company والتي اختصرت فيما نعرفه اليوم بأرمكو عام 1944م، وظلت هذه الشركة الأمريكية تتحول عاما بعد عام إلى ملكية سعودية حتى أصبحت سعودية بالكامل عام 1980م. فلله الحمد والفضل والمنة على ما حبانا به وأنعم به علينا من خيرات ننعم بها حتى اليوم.
** **
أ. فوزية بنت فهد العجم - قسم التاريخ - جامعة الملك سعود