د.شريف بن محمد الأتربي
مع بزوغ فَجْر الثالث من شهر ربيع الآخر عام 1441هـ تحتفي المملكة العربية السعودية بالبيعة الخامسة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، وهي البيعة التي جسّدت روح التلاحم بين القيادة والمواطنين. ففي مثل هذا اليوم أُعلنت وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- ومبايعة ولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكًا للبلاد. ومنذ ذاك الوقت وأنظار العالم تتجه صوب الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية؛ تنتظر ما سيسفر عنه تغير القيادة في المملكة، وإلى أي مآل ستصير إليه، خاصة مع تكاثر الأعداء والراغبين في زعزعة استقرار المملكة.
لم يكن سلمان بن عبد العزيز غريبًا عن القيادة، ولا بعيدًا عنها؛ فقد قضى أكثر من خمسين عامًا في إمارة منطقة الرياض، ومتوليًا شؤون الأسرة، واستطاع خلالها أن يغيّر شكل الرياض، وينقلها نقلات سريعة حتى أصبحت واحدة من كبريات العواصم العالمية والعربية، إن لم تكن أكبرها.
كانت البدايات صعبة، والتحديات كثيرة، وأي قرار سيتم اتخاذه سيجد له من الناقدين الكثير، سواء من داخل البلاد أو خارجها.. وكلهم يتمنون التعثُّر للمملكة. فمن هم بالداخل - وكانوا قلة - يتمتعون بخيرات المملكة من خلال الالتفاف على القوانين، والاستيلاء على ممتلكات الدولة بكل الطرق التي يظهر من بعضها قانونيتها، وهي في قمة الفساد، إلى جانب المحسوبية، وتعثر الكثير من المشاريع، وغيرها من الصعاب التي بدت للوهلة الأولى حجر عثرة أمام القيادة الجديدة للتغلب عليها.
أما على الصعيد الخارجي فقد كانت المشاكل تعصف بمجلس التعاون نتيجة لخروج دولة قطر عن النص، وتلبثها بلباس الزعامة، وهو ليس مفصلاً لها، إلى جانب الحوثيين وانقلابهم على الشرعية، وأيضًا ما يحدث في العراق وسوريا ومصر، وأيضًا البحرين.
ولم يكن الغرب وأمريكا أيضًا واضحين في نظرتهم للمملكة؛ فقد كان جُل ما يهم هو استقرار سوق النفط المرتبط بخطط التنمية التي يقودونها في بلادهم.
وهكذا تجمعت الصعاب، والأعداء تكتلوا، ولكن مَن القائد؟ القائد سلمان بن عبد العزيز، ابن المؤسس وعضيد إخوانه منذ توليهم حكم المملكة بعد وفاة الملك عبد العزيز -رحمه الله-.
اختار سلمان بن عبد العزيز لقب خادم الحرمين الشريفين كما كان عليه دأب إخوانه السابقين -رحمهم الله-؛ وبذلك بدأت حقبة تاريخية جديدة في تاريخ المملكة العربية السعودية، هي حقبة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله - التي ينبغي أن تُسمى الدولة السعودية الرابعة، وهي الدولة الجديدة.
منذ تولَّى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حكم البلاد لا يمرُّ يوم دون أن نجد خبرًا مفرحًا جديدًا؛ ففي كل يوم منجز وقرار وتكليف، طال انتظاره، وتعلقت قلوب المواطنين به.
فعلى صعيد جميع الوزارات والهيئات الحكومية حدثت خلخلة لها بغرض إيجاد قيادات قادرة على تنفيذ رؤية المملكة 2030، ولم يُبقِ الملك -حفظه الله- على أي مسؤول كائنًا من كان في مكانه وهو ليس بكفء لهذا المكان حتى لو لم يمضِ على تكليفه شهور أو أيام عدة؛ فالمطلوب أن ينخرط هؤلاء القادة فورًا في أداء أعمالهم، وأن يلحظ المواطن فرقًا في هذا المكان، وتطويرًا لا يتوقف.
ولعل من أكثر الفئات إحساسًا بالتغيُّر خلال هذه الخمسية من حكم الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- هي المرأة التي أصبحت على أرض الواقع، وليس من خلال الشعارات، شريكةً في الوطن، وفي التنمية، وفي كل شيء؛ فقد حازت حقوقًا كانت لها، ولكن استغل البعض عباءة الدين ليمنعوها منها، ويحرموها على مدار عقود من الزمن من أبسط حقوقها بوصفها مواطنة تمثل نصف المجتمع.
وعلى جانب آخر، ولرؤية ثاقبة، جاء اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ليكون وليًّا للعهد؛ لتبدأ معه حقبة جديدة، هي حقبة الشباب التي ستستمر -بإذن الله-، وهي الحقبة التي بدأت تؤتي ثمارها مبكرًا؛ فالناظر المتفحص لوجوه قادة البلاد والمسؤولين في الداخل والخارج يجد أن تركيبة الاختيار قد تغيّرت، بل تبدلت تمامًا، وأصبح وجود أي مسؤول على كرسيه مرتهنًا بكفاءته وقدرته على القيام بأعباء هذا العمل؛ فتم تمكين الشباب في كل القطاعات، واختفت من على الساحة وجوه لازمت أي تغيير على مدار عشرات السنين وهي في محلها، لا تتبدل، ولا تتغير، كأن ليس لها بديل.
إن الكتابة عن هذه الخمسية في مقال أو كتاب لا ولن تكفي وتفي بحق هذه الفترة من تاريخ المملكة في التاريخ، وكتابة الوقائع كما هي، وعلى حقيقتها؛ فهي قريبة كل القرب من معاصريها، ولا يخفى على أحد ما حدث فيها.
إن الدولة السعودية الرابعة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وعضيده وولي عهده سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ماضية في طريقها معتمدة على الله، ثم بجهود وسواعد أبنائها وبناتها محدثة حالة من الحالات التي سيتوقف العالم أجمع أمامها الكثير من الوقت؛ ليعرف كيف تم التغيير بهذه السرعة، وكيف خرجت المملكة من عباءة التزمت والوصف بالإرهاب إلى عباءة الانفتاح والرقي والتقدم، وأن أبوابها صارت مفتوحة أمام الجميع طالما التزموا بقواعد المملكة وآدابها.
حفظ الله مولاي سلمان وسمو سيدي ولي العهد، وأطال في عمرَيْكما، وجعلكما ممن طال عمره وحسن عمله.