التاريخ عرض يوثق مناط الحمد والعمل والإنجاز والنزاهة لكل مسؤول تبوأ مسؤولية المنصب الإداري والسياسي في الدولة، إذ يحتاج إلى خصيصتين أساسيتين لابد أن يتصف بهما هي (القوة والأمانة) التي تمثل الصورة الناصعة لسيرته ومسيرته والتي تعطي انعكاساً لبناء السمعة منذ أول يوم تضع قدمه عتبات مكتبه ودائرة وظيفته، وسلمان بن عبدالعزيز يعد ركيزة أساسية من ركائز العمل المتقن والنزيه ومنذ البدايات الأولى لعمله نائباً لأمير منطقة الرياض عندما رشحه الملك سعود ليتبوأ ذلك المنصب وقد رسم لنفسه نهجاً واضحاً في أخلاقيات وأدبيات الوظيفة، وليس بأقلها محافظته على (الوقت) والمواعيد، حيث يضبط الوقت بساعة حضوره والتزامه، وهو الذي اعتاد كل من عمل معه بإمارة منطقة الرياض، أو عند حضوره لأي مناسبة رسمية أنه لو تأخر فإنه أمر خارج عن إرادته، ليؤطر نهجاً لافتاً في أعلى درجات السمو للانضباط والالتزام الوظيفي في دلالات: (أن خير من استأجرت القوي الأمين) فالبدايات الأولى لعمله في إمارة منطقة الرياض التي أحب عمله فيها، وقضى من عمره الوظيفي بها قرابة الخمسة عقود، كانت من أزهى سنوات العمل لديه ولدى أهالي المنطقة الذين أحبوه وأجلوه وبادلهم الحب بالحب، ليتنقل بجدارة الكفاءة والاستحقاق في مناصب الدولة وهو الذي شرف المنصب باسمه ورسمه وسمته وسموه، لأنه امتلك جميع مقوماتها الأساسية، وهو الذي لم يغتر بالمنصب، أو يتغير له بثبات العقل والحكمة والحنكة والصبر، وحسن التعامل والأخذ بتقدير المواقف، مع مهابة وحزم وعزم ليكون مكون: (الإمارة الإنسانية والاجتماعية) في كل مكوناتها، وتجلياتها، وأهدافها، وأخلاقياتها، وأدبياتها الواسعة والرفيعة، أنه بالتأكيد منهج يجب أن يحتذى وأن يدرس لأبنائنا في مدارسنا للحفاظ على قيمة الوقت والعمل والأداء أن نجاح سلمان بن عبدالعزيز في المناصب التي يقودها لم يكن لأنه أمير أو ملك إنما ناتج عن عدد من العوامل والسمات والصفات التي لازمته، واستمر على تعزيزها والمحافظة عليها وهي:-
أولاً :- مراقبة الله عز وجل، واصطحاب النية الحاضرة، ومحاسبة النفس ونظرته للمنصب أنه عمل وأجر ومثوبة ينتفع بها فاعلها في الدارين، وهي لا تخلوا من مشقة وعناء وكبد وهو يستحضر ذلك كله منذ اليوم الأول الذي باشر فيه عمله نائباً لأمير منطقة الرياض يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر رجب عام 1373هـ، الموافق 16 مارس 1954م وقد وضع نصب عينيه مخافة الله والدار الآخرة.
ثانياً:- اتخاذه من والده المؤسس الملك عبدالعزيز نبراساً له في حياته، وقدوة وبوصلة اتجاه واحتذاء، إذ أخذ عنه العديد من الصفات والمزايا القيادية، وطبقها على أرض الواقع المعايش، وهو الذي لم يخف ذلك الجانب أبداً في كل أقواله وفي كل مناسبة يأتي بها طريا الملك عبدالعزيز وذكره، كما أن لوالدته الأميرة حصة الأحمد السديري المتوفاة عام 1389هـ -رحمها الله- الأثر الكبير في تربيته وصقله وهي سر تميزه الإداري والمهاري في حياته، وهو الذي تجلى كل الوقت أثر والديه عليه من واقع حياتهما وأثرهما عليه.
ثالثاً:- معاصرته -حفظه الله- لجميع ملوك المملكة، وعهودها منذ عهد والده الملك عبدالعزيز إلى عهود الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله -رحمهم الله- أجمعين، وقد كان إلى جانبهم جميعا في كل المواقف والأحداث والمناسبات والأزمات، وكان مناط ثقتهم، وطوع أمرهم، ومحط أنظارهم، وموضع استشارتهم، ومحل سرهم فكان أنموذجاً يحتذى معهم في جميل برهم، وصدق أخوتهم، والوفاء معهم، والإخلاص لهم، فكان مثلاً وأنموذجاً باهراً معهم وهو الذي كان حاضراً أميناً، وحتى وفاتهم ورسم قبلة الوداع على جبينهم والصلاة عليهم، بمدينة الرياض، وحضور دفنهم في مقبرة العود، فكانت سمة الوفاء والبر معهم ومع أخوته جميعا سمة تميزه.
رابعاً:- إنه من أصحاب الهمم العالية الذين لا يثبطهم عن الإصرار على العمل والمثابرة عليه، حتى يصل إلى أعلى درجات الإنجاز بإتقان تام دون أن يلتفت إلى أي مثبط أو مخذل، فيما يتطلع إليه ويصبو إلى تحقيقه، ورأينا كيف تحولت مدينة الرياض في فترة إمارته إلى عاصمة العواصم وأزهى المدائن نمواً وازدهاراً وعمارة وبناءا وحضارة، وكيف كان لهذا التحول الكبير أثره بإمضاء سلمان بن عبدالعزيز والفريق الذي كان يعمل معه لولا المشقة ساد الناس كلهم.. الجود يفقر والأقدام قتال.
خامساً:- ثقته الكبيرة بذاته وإمكاناته وقدراته، وقدرته العجيبة وعلى مدى هذه الأعوام العديدة على تحمل مسؤولياته العظيمة والجسيمة، وقدرته على السيطرة على الأمور والمواقف والمشكلات التي تواجهه في ديناميكية العمل وروتينه اليومي، ومواجهة الكم الهائل من جموع المواطنين في جلستين في ديوان الإمارة وفي مجالسه ووضع الحلول السريعة لها، من كم الخبرات والممارسات التي يكتسب من خلالها خلفية واسعة لمكون الشخصية التي تعمل دون كلل أو ملل.
سادساً:- النسيج المتكامل الذي أسسه منذ البدايات الأولى، والانبهار التام بالمجتمع السعودي وبإنسانه وأهله وفي كل المناطق، والمدن، والمحافظات، والقرى، والهجر إذ إن لديه قدرة مبهرة في العلاقات الاجتماعية وخاصة في مجتمع الرياض، إذ إنك لتعجب إذا ما كنت أمامه وسألك عن اسمك؟ لتجد حصيلة من المعلومات عن أسرتك وقبيلتك، وإقليمك وربما عد لك أحد من أقاربك وقال:- (وش يصير لك فلان) إذ إن في ذاكرته مخزون هائل من المعلومات، وخلفية متميزة من التاريخ المحلي، إذ إن الملك سلمان -حفظه الله- تميز بعلاقات إنسانية جيدة قائمة على الحب والتقدير والولاء، إذاً لديه ومنذ وقت مبكر مهارة بناء العلاقات مع الآخرين وفن التعامل مع الناس.
سابعاً:- النزاهة وبناء السمعة ونظافة اليد سمة طالما عرفناها عن سلمان بن عبدالعزيز عرفناه في الإمارة وحتى اليوم.
ثامناً:- المتابعة وذاكرة العمل الحاضرة على الدوام، إذ حباه الله تعالى قوة الذاكرة واستحضارها حتى لو مر على الموقف أو القضية أو المعاملة سنوات، وتلك سمة عرف بها منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، وقد صار لي معه موقف عندما كان أميراً لمنطقة الرياض في كتاب رفعته للملك فهد عن مدينة الرياض مرفقاً معه عدد كبير من الصور النادرة عن مدينة الرياض القديمة، ثم واجهته بعد فترة من الزمن فقال لي : (الصور إللي رفعتها للملك زينه احرص عليها عسى عندك منها).
وسلمان بن عبدالعزيز يمتلك ناصية المتابعة وتقويم الأداء، عند إقرار أي مشروع أو عمل فيه المصلحة العامة، وكان يقوم بنفسه بتفقد المشاريع والتأكد بأن ما تحقق مطابق للمواصفات وللأهداف وأن ما تم إنجازه بالكفاءة والجودة العالية، ويعمل على تذليل الصعوبات والعراقيل التي تواجه أي مشروع أو إنجاز، ويعمل بكل طاقته على إيجاد الحلول السريعة لها، إذ إن مفاتيح الحلول لديه، إذ إنه يحرص على إتمام المشاريع الحيوية وإتمامها في التواريخ المحددة لها، وتفادي أي تأخر أو تقصير أو تجاوز.
تاسعاً:- ترمز السمة القيادية لسلمان بن عبدالعزيز في تقديره البالغ لقيمة الوقت، وحسن ترتيبه وتنظيمه في جدولة أعماله وارتباطاته العملية والاجتماعية، وهو من يعطي الأنموذج الباهر والمثال الحي لقيمة الوقت وقد أشرنا لذلك في مقدمة المقال.
عاشراً:- هو أشد ما يكون محافظة على مشروع الملك عبدالعزيز البنيوي في مكتسب الوحدة الوطنية والتي ترجمها على أرض الواقع في أقواله وأعماله وممارساته كلها، وانصهاره الدائم في المجتمع السعودي، مما كوّن له شعبية جارفة من الحب والولاء والعلاقات، إذ إن لديه ثقافة معرفية واسعة بالأسر والقبائل والأنساب، وهذا مكون أساس في عمق الوعي المسؤول في تجذر الوحدة الوطنية وأهمية المحافظة عليها إذ كان له دور كبير في ذلك طوال عهود الدولة السعودية لأنها أساس في استقرار وأمن الوطن والمواطن.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب