على مدى التاريخ وأزمنته المتعاقبة تمر شخصيات وقيادات وزعامات لكن الخالدين على صفحاته هم فقط أولئك الذين يتمتعون بصفات نادرة وقدرات فذة أبقتهم في الذاكرة الإنسانية كرواد ورموز ومصلحين.
وفي ضوء هذه الحقيقة التاريخية يعد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من أبرز رموز الفكر السياسي والقادة الكبار في هذا العصر، كونه -حفظه الله- يقود مرحلة التحول الوطني نحو الدولة الحديثة وفق الرؤية التنموية الشاملة 2030 التي تستشرف آفاق المستقبل بأفكار وبرامج تنظيمية وتنموية عملاقة لتكون المملكة دولة الإنتاج المتعدد والاستقطاب الاقتصادي والسياحي والثقافي بما يتناسب مع مكانتها التاريخية وقوتها الاقتصادية ومخزونها الثقافي.
والملك سلمان الذي يكمل اليوم عامه الخامس عاهلاً للمملكة شخصية فريدة بحق فقد عاش جل حياته في أروقة الحكم ومعترك السياسة إلى جانب الملوك منذ عهد والده المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كما تولى سدة العمل في إمارة منطقة الرياض على مدى خمسين عامًا، وكان خلال ذلك المشوار الطويل قطبًا مهمًا في الأسرة الحاكمة ومساهمًا أساسيًا في اتخاذ الإجراءات والقرارات الصعبة لنبوغه المبكر وذكائه وقوة شخصيته وسعة اطلاعه وقراءته للتاريخ ومعرفته بأحوال الأمم ومجريات السياسة.
وحين آلت إليه مقاليد الحكم -حفظه الله- تجلى ما لديه من مخزون فكري وعمق سياسي في مواجهة الأحداث الساخنة التي تعصف بالعالم ومنطقة الشرق الأوسط بوجه خاص، وكان كربان السفينة الماهر الذي يمخر العباب بين كتل الأمواج المتلاطمة وينشر أشرعتها مع اتجاهات الرياح المناسبة لتجنيب بلده المخاطر والوصول بها إلى شواطئ الأمان والاستقرار لتواصل دورها الريادي تجاه الأمتين العربية والإسلامية من جهة وتجاه شعبها وتوفير سبل العيش الكريم له من جهة أخرى.
لذا فقد استشعر الملك سلمان -أدامه الله- المسؤولية القيادية للمملكة والهموم التي تحملها من أجل سلامة الأمة وبادر بكل قوة إلى الحزم المعتاد عنه تجاه المتربصين بأمنها ووحدتها ومقدساتها وقادت المملكة التحالف الذي حطم الأوهام والأطماع في مهدها، كما واصل نهج أسلافه نحو خدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية بأسلوب الحكمة والحنكة والاتزان.
أما على الصعيد الوطني فقد أدرك بحكمته أن العالم يمر بمتغيرات كبيرة وأن التقنية أصبحت حجر الأساس في العمل والإنتاج مع شدة التنافسية في السباق الحضاري وهي عوامل تتطلب الفكر والحيوية والنشاط، فعمد -حفظه الله- إلى ضخ الدماء الشابة في شرايين الوطن وأسند إلى ولي عهده الشاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قيادة القافلة الحضارية لما توسم فيه من قوة وعزيمة وسداد رأي، وهو اختيار موفق شهدت به المواقف السيادية الحازمة والمبادرات السياسية الرائدة والإنجازات التنموية العملاقة التي تحققت في أعوام قليلة ولفتت الأنظار إلى دولة قوية تعيد كتابة التاريخ وتدشن مرحلة جديدة في عمر الدولة المديد بإذن الله عنوانها الفكر والجد والإنتاج.
وها نحن اليوم نشهد بداية القطاف لرؤية الوطن التنموية 2030 التي حولت الوطن إلى ورشة عمل كبيرة تتبارى فيها الأفكار وتتعاضد الجهود للوصول إلى هدف الرؤية المتمثل في دولة عصرية ذات إنتاج متنوع وفكر متجدد وعمل مبدع واستثمار أمن وتنمية مستدامة واستقرار تام. وهو هدف كبير يتطلع أبناء الوطن إلى تحققه واستمراره بإذن الله في ظل السياسة الحكيمة للقيادة الرشيدة وتلاحمها مع شعبها الوفي ولما تزخر به المملكة من مقومات طبيعية وتراثية وسياحية واقتصادية تساعد على ذلك وتهيئ المجال للإنتاج والاستقطاب والاستثمار بمستويات كبيرة ومردود اقتصادي عالٍ.
ولا شك أن المواطن أصبح يلمس ما تحقق من جهود عالية وأنظمة دقيقة تهدف إلى تطوير العمل في مؤسسات الدولة وتطبيق مبدأ الرقابة والمحاسبة وتقنين المصروفات والارتقاء بمستوى التعليم والتدريب والبناء المجتمعي وجودة الحياة ونشر الحيوية والروح التفاعلية وحب العمل في أوساط الشباب.
وخاتمة للمقال نشير بافتخار إلى حدث عالمي جميل يكفي عن كل التفاصيل في بيان مكانة المملكة وريادتها وحكمتها وهو المتمثل في استضافتها للاجتماع المقبل لقمة العشرين التي هي أحد أقطابه حيث سترأس المملكة القمة بسجل حافل بالرؤية السياسية العميقة والقيم الثابتة والعلاقات الدولية المتميزة والإسهام في استقرار الاقتصاد ودعم جهود التنمية والإغاثة والأعمال الإنسانية في كل مكان.
إذن حق لنا أن نفتخر بوطننا الكبير المعطاء وأن نعتز بقائدنا الرمز الشامخ الملك سلمان أمده الله بالعون والنصر والتوفيق.
** **
د. علي بن عبدالرحمن العنقري - وكيل وزارة الحرس الوطني