م. بدر بن ناصر الحمدان
لم يعرف تاريخ المدن الحديث أن ثمة مدينة حققت نجاحاً في الوصول إلى أهدافها بمعزل عن الدور الرئيس لسكانها في مساندة إدارتها والتعاون معها في الدفع بكل الجهود التي من شأنها أن تمضي بالمدينة قدماً إلى الأمام، إذ لا يمكن لأي إدارة عمرانية أن تعمل بمفردها مهما كانت قدراتها ودون أن يقوم مجتمع المدينة بكل فئاته بواجباته ومسؤولياته تجاه العمل على إيجاد بيئة عمرانية صالحة للعيش، فمنظومة العمران باتت عملية «مشتركة» يقودها الناس.
الجهود التي بُذلت من جميع الأمناء السابقين لأمانة الرياض ووكلاءهم - بلا استثناء -كانت وما زالت وستبقى محل تقدير واحترام واعتزاز، طال الزمان أم قصر، وسيحفظ لهم التاريخ العمراني كل تلك الأعمال الجليلة التي قاموا بها، والمشاريع التي أنجزوها، والتحديات التي خاضوها في مراحل مختلفة من عمر نمو العاصمة، أنا أجزم أن لكل منهم سيرته وروايته وتجربته التي يحتفظ بها إبان معركة التطوير التي مر بها بمختلف الظروف التي كانت.
اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة، وأمام ثقافة مختلفة تماماً في فلسفة إدارة المدن، حيث يأتي الأمر الملكي الكريم بتعيين الأمير الشاب فيصل بن عبد العزيز بن عياف آل مقرن أميناً لمنطقة الرياض، ليبرهن أن المستقبل سيكون حتماً للجيل الجديد من قادة المدن، وأن التغيير هو رهان الغد الذي ينتظرها بالاستناد لعقول تعتمد على البحث عن كل ما هو إبداعي ومبتكر وفريد في رحلة بناء مدن للمستقبل.
هذا الأمر بلا شك يتطلب «مساندة» حقيقية وجادة، قولاً وعملاً لمثل هؤلاء القادة الجدد، من خلال تعزيز مبدأ إدارة المدن بمشاركة سكانها بمفهومه العملي الذي يتجاوز في تطبيقاته مجرد مشاركة السكان في اتخاذ القرار إلى اضطلاعهم بمسؤولياتهم الكاملة تجاه مدينتهم وتعاونهم مع جهازها الإداري كل في موقعه.
الحديث عن الرياض هو حديث عن مدينة عملاقة يصل إجمالي مساحة نطاقها العمراني 1785كم2، وتغطي مناطقها المأهولة دائرة قطرها 50 كم/ط بينما تتجاوز حدودها الكبرى دائرة قطرها 75 كم/ط، ويقطنها اليوم أكثر من 6.506.700 نسمة، بالإضافة إلى النطاق الإشرافي لبلديات المنطقة، هذه الأرقام تمثِّل تحدياً كبيراً جداً لمسيري أي مدينة في العالم، لا سيما أن نموذج الإدارة المحلية القائم قد لا يكون الأكثر استجابة لطبيعة إدارة العمران في مثل هذه المدينة المليونية.
سكان الرياض باتوا أكثر فهماً وإدراكاً لأهمية الدور الذي تضطلع به الأمانة على مستوى إدارة المكان، وأكثر استيعاباً للتحديات التي تواجهها، والأجهزة الحكومية تدخل مرحلة أكثر إيجابية على مستوى الإدارة المحلية، كما أن القطاع الخاص تحوّل مؤخراً إلى موقع الريادة في أعمال التطوير العمراني ببعده التنموي، والأهم من ذلك كله التحوّل النوعي الذي حدث في أداء الحكومة بأجهزتها الإدارية والمالية بما يمكن من سرعة صناعة واتخاذ القرار.
كل هذه المؤشرات ستكون حافزاً كبيراً لاستثمار مقومات العاصمة الرياض وميزها النسبية والتنافسية، متى ما قرَّر الجميع - أفراداً وجماعات ومؤسسات حكومية وأهلية - العمل مع الأمانة بمبدأ الطموحات المشتركة.