د.عبدالله بن موسى الطاير
لما تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم كانت المملكة العربية السعودية قد بلغت من العمر 117 عاماً منذ دخول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة الرياض في 13 يناير 1902م. وبحسب مفكر علم الاجتماع السياسي العربي ابن خلدون فإن للدول «أعمار طبيعية كما للأشخاص، في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال»، والجيل بحسب بعض الدراسات يتراوح بين 30 إلى 33 سنة، وبذا تكون أعمار الدول ما بين 66 سنة و100 سنة مع وجود استثناءات تتعلق بطبيعة الحكم وديناميكتية، والظروف المحيطة به. لقد مكثت الخلافة الراشدة نحو 41 سنة، والأموية 91 سنة، لكن العباسية زادت عن ذلك بكثير، مع ملاحظة أن سلطتها على أطرافها لم تكن بالقوة في المركز إذا كانت بعض مكوناتها منتمية إليها وليست تحت سلطتها الكاملة.
لقد مرت المملكة العربية السعودية بمراحل طبيعية منذ مرحلة الظفر التي حققها كاملة الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله-، ثم البناء والاستقرار الذي حققه أبناؤه من بعده، وصولاً إلى عهد الملك سلمان أيده الله. ولأن الملك سلمان انشغل طيلة حياته أميراً للرياض بالقراءة والتفكر، وتدبر أحوال الدول، والتخصص في الدولة السعودية منذ تأسيسها، وما مرت به من تقلبات وما عصف بها من أحداث، وملازمته لإخوته الملوك، ومعاصرته لحال الدولة، كوّن لديه نظريته الخاصة في تجديد مفاصلها.
لقد ألفت القيادة السعودية والشعب الحياة في «المنطقة المريحة» Comfortable Zone ولم يكن أحد يريد التغيير الحقيقي أو يجرؤ عليه، وأصبح الدعاء السائد «الله لا يغير علينا»، مغفلين أن لله سنن، ومنها التبدل والتغير. لقد كانت رؤية الملك سلمان للحكم ومستقبل المملكة جاهزة، وبنيت على بصيرة، وكان لابد من الخروج من المنطقة المريحة، ومواجهة التحديات بجسارة وإرساء أسس دولة المستقبل وإطلاق أعمالها على عينه حفظه الله. اتخذ الملك سلمان قرارات شجاعة سوف يذكرها التاريخ المعاصر. التاريخ يسجل الأحداث ولكن القادة الشجعان يكتبون التاريخ، ولا مراء في أن الملك سلمان يكتب تاريخا لن تطوي الدهور صحائفه.
أغمض عينيك وتذكر المملكة قبل خمس سنوات، وافتحهما على حالها الآن؛ حراك أفقي ورأسي ينسف كل بؤر الخطر على مستقبل الوطن. فالدعة التي سببتها أمومة الدولة للمجتمع وفعالياته تبدلت، وهي الآن تضطلع بدور المنظم والمحفز وصانع الفرص، وعلى المواطن أن يتحول إلى منتج مسهم عامل وقناص للفرص. والخدمات التي كانت تقدم شبه مجاناً ولا أحد يكترث لها ولا يشعر بأهميتها، بل ويسرف في استهلاكها، أصبحت اليوم تؤلم المسرف وتذكره بأنها مكلفة عليه وعلى الدولة، ولابد من التشارك في ديمومتها. البلد الذي عاش منغلقاً، قريباً من العالم وبعيداً عنه أصبح اليوم منفتحاً على الدنيا مثله مثل أيّ دولة عصرية، تزور وتزار وتتفاعل اقتصادياً وحضارياً، وتعرض أجمل ما لديها وتستقبل أفضل ما لدى غيرها دون خوف على فساد المجتمع أو مكوناته، لأن القاعدة التي ينطلق منها الملك سلمان مؤسسة على أن السعوديين بشر كغيرهم، ويعتريهم ما يصيب غيرهم من قوة وضعف وصلاح وفساد، واستقامة وانحلال.
خمس سنوات منذ تولى الملك سلمان الحكم، هي بالفعل خمس سنوات من إعادة التأسيس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، هدفها بناء دولة قوية مهابة الجانب تعيش عقوداً قادمة وهي في حالة نهوض متواصل. الذين بنوا سياساتهم في التعامل مع المملكة العربية السعودية على أنها دولة هرمة، عليهم اليوم أن ينظروا في صورة الأمير محمد بن سلمان، فقد اختار الملك سلمان بحنكته وخبرته داهية من نسله لمواجهة المستقبل وتحدياته. لم يتردد الملك في قراراته المصيرية، ولم يتوقف عند معوقات العاطفة، ولم يتأثر بالعلاقات الشخصية والإنسانية، فقد وضع نصب عينيه المملكة التي ورثها متماسكة، ويريد أن يطمئن على مستقبلها، ولذلك وضعها في يد أمينة حازمة قادرة على تحمل أعباء المسؤولية بجدارة.
لقد صنع الملك سلمان لهذا الوطن قائد المستقبل، الذي تمكن بسرعة من خطف قلوب الشباب وكسب ثقتهم وحبهم، وهم بدون أدنى شك شركاء النهضة، ومعهم وبهم سيخوض القائد الشاب غمار المستقبل من أجل وطن ليس كمثله وطن.