د.صالح بن عبدالله بن حميد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان وبعد:
فهذه الكلمات حول شيخي وأستاذي الشيخ الحافظ القارئ المقرئ محمد أكبر شاه -رحمه الله-، وأعلى درجاته في عليين، ومع شح المصادر والمعلومات عنه -رحمه الله-، ولكني سأحاول البسط بقدر ما أستطيع مبيناً علاقتي به -رحمه الله- وهي علاقة متينة كما سوف يتبين، ومع حديث عن العلاقة كذلك بالقرآن الكريم، وحفظه، ومدارسته، وشيء من تاريخ جمعية القرآن الكريم في مكة المكرمة بقدر ما يوضح العلاقة مع هذا الشيخ الكريم.
وفي بداية هذه الكلمات لا بدّ من إسداء الشكر للأخوين الكريمين والزميلين العزيزين والشيخين الفاضلين الدكتور/ صبغة الله غلام نبي - عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى.. فهو زميل في الجامعة، وزميل في الدراسة على الشيخ محمد أكبر في المسجد الحرام، والشيخ عبدالرب فيض الله - المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة، فهو زميل كذلك في الحضور على الشيخ في حلقات المسجد الحرام.
فقد طلبت منهما البحث عن مزيد من المعلومات عن الشيخ -رحمه الله- وبخاصة في المصادر باللغة الأردية فقد اجتهدا في ذلك وأمداني بما استطاعا الحصول عليه، وهي معلومات قيمة ولكنها تبقى شحيحة لا تعكس حقيقة الشيخ وشخصيته العلمية والعملية والتربوية.
فعلاقتي بالشيخ -رحمه الله- بدأت بعد انتقالنا إلى مكة المكرمة عام 1384هـ، حينما انتقل الوالد -رحمه الله- من القصيم إلى مكة المكرمة للعمل رئيسا للإشراف الديني على المسجد الحرام، فقد كنت بدأت بالحفظ في القصيم في بريدة، وهو بداية جمعيات تحفيظ القران الكريم في المملكة، فقد بدأَتْ في مكة المكرمة في عام 1383هـ، وفي نفس العام افتتحت في الرياض وفي القصيم وفي مدن أخرى، فانتظمتُ في الحلقات في الجامع الكبير في بريدة (جامع خادم الحرمين الشريفين) على الشيخ المقرئ حافظ زكريا -رحمه الله-، وقد كان نعم المعلم الحريص على طلابه، المتابع لهم متابعة دقيقة وصارمة، وقد تكون هذه البداية القوية المشجعة هي مما أعان -بعد توفيق الله- على إتمام الحفظ، فرحمه الله وأحسن إليه، فحفظت عنده عشرة أجزاء، فلما انتقلنا إلى مكة المكرمة وقد لاحظ الوالد -رحمه الله- قوة الحفظ والمتابعة فرغب أن تستمر هذه الجدية في مكة المكرمة، فالتقى بالمسؤولين عن الجمعية في مكة المكرمة: وهم كل من الشيخ محمد يوسف سيتي، والشيخ الدكتور/ غلام مصطفى إبراهيم -رحمهما الله- وأبدى لهم رغبته في أن أتابع الحفظ بالجدية نفسها، وطلب منهما ترشيح شيخ في مثل الشيخ حافظ زكريا، فما كان منهما إلا أن اختاراً الشيخ محمد أكبر -رحمه الله-، وقد كان نعم الاختيار على ما سوف يتبين في هذه الكلمات، فلازمت الشيخ -رحمه الله- في المسجد الحرام، وكنت أحضر عنده بمفردي وليس معي أحد، بينما عنده حلقات في المسجد الحرام، وفي مسجد ابن لادن في حي الحفاير فيها مجموعة من الطلاب.
وكنت أحضر عنده بين المغرب والعشاء يومياً، أما في الفترة الإجازة الصيفية فالحضور في الضحى إلى صلاة الظهر.
فأتممت الحفظ في حدود سنة ونصف ولله الحمد، وكان موقع الدراسة بين الركنيين الحجر الأسود والركن اليماني في الحصوة الجنوبية قرب المكبرية، وفي وقت الضحى نتأخر قليلاً لتكون في الرواق المقابل وبجوار المكبرية، وكان -رحمه الله- حازماً دقيقاً في المتابعة حين الحفظ، وحين التسميع.
وقبل أن أتكلم عن بعض المواقف أذكر شيئاً من سيرة الشيخ وطرفا من حياته:
فهو الشيخ المقرئ الحافظ المجود محمد أكبر شاه بن بير شاه مظفر آبادي ولد عام 1939م - 1359هـ في الباكستان في مدينة جلوت كرم مظفر آباد بكشمير، وقد تتلمذ على مشاهير القراء ومنهم: عمه المقرئ قارئ محمد محمود علي، والشيخ المقرئ محمد قاضي عبدالخالق، والشيخ قارئ محمد عبداللطيف - خطيب مسجد الملوك (شاهي مسجد).
وفي عام 1954 التحق بمدرسة تجويد القرآن بمدينة لاهور، وفي عام 1377هـ حضر عند الشيخ القارئ كرم بخش وامتحنه وأجازه في القراءات العشر ومنحه سندها، وفي عام 1962م حضر دورة في الحديث الشريف وعلومه بالجامعة الأشرفية في لاهور. وقرأ على أستاذ القراءات محمد شريف رواية حفص عن عاصم. ثم أخذ القراءات السبع عنه أيضاً. وكان هذا الشيخ قارئ محمد شريف يحبه ويقربه ويأخذه معه في حله وترحاله، وكان من عادة الطلاب أنهم يخدمون مشايخهم وقت الدراسة بالتدليك لأقدام المشايخ، فإذا جاءت النوبة للشيخ محمد أكبر قال له الشيخ أنت لا يمكن أن تعمل هذا، فأنت سيد من السادة، فأنت تُخدم ولا تَخدم.
وأخذ القراءات الثلاث المتممة للعشر عن طريق الدرة عن شيخه شيخ المجودين قارئ محمد غلام البراني -رحمه الله-.
والتحق بجامعة المدينة في مدينة لاهور وأخذ عن مشائخها العلوم الدينية النظامية. ثم التحق في سنة 1962م بالجامعة الأشرفية في لاهور فأخذ عن مشائخها. ثم قام بالتدريس بمدرسة تجويد القران في بلدة (موتي بازار) في سوق لاهور.
قام بالتدريس والإمامة والخطابة في راولبندي في (مسجد مكي) فاستفاد منه خلق كثير.
وفي عام 1384هـ وصل إلى المملكة العربية السعودية مدرساً في جمعية تحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة، فدرس في المسجد الحرام في الصباح والمساء، وفي مسجد محمد بن لادن في حي الحفاير مدة طويلة، ثم انتقل للتدريس في معهد دار الأرقم لتخريج القراء، كما شارك في التدريس في معهد الحرم المكي الشريف التابع للرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
كان -رحمه الله- عنده شغف بحب القراءة والمطالعة في مختلف الفنون وبخاصة في القرآن وعلومه، والتفسير، وكتب الأحكام، وعنده مكتبة علمية قيمة، اطلعت عليها قلَّ إن يقتنيها أمثاله ممن تقتصر عنايتهم بتدريس القرآن الكريم ولا سيما من جرت العادة أنهم يدرسون الطلاب الذين أعمارهم في سن المرحلة المتوسطة والثانوية، وكان له ولع كبير بشراء الكتب، بل كان أحياناً يقترض من أجل ذلك، فكان صاحب فقه وعلم وعمل رحمه الله وأحسن إليه.
وقد بقي في المملكة قرابة عشرين عاماً ثم عاد إلى باكستان في عام 1405هـ لظروف خاصة به وبالأسرة على الرغم من محبته الشديدة لمكة المكرمة وحرصه على الإقامة الدائمة فيها.
صفاته وأخلاقه
كان الشيخ -رحمه الله- على خلق رفيع، وتدين ظاهر، يجلله وقار في حياء، يتمثل فيه صفات أهل القرآن، ولا أقول هذا مجاملة أو مبالغة، بل هذا ما أراه فيه، وما لمسته وعايشته معه -رحمه الله-. كان شخصية متميزة في إخلاصه، وتقواه، وورعه، كما كان متواضعاً غاية التواضع، شغوفا بالطلاب على الرغم من ما يجلله من هيبة وحزم، وأحسب أن عنده صلاحاً في نيته أضفت عليه كل هذه المهابة.
كان محبوباً لدى الكبير والصغير، يألف ويؤلف، بل إن طلابه كل واحد يظن أن الشيخ يخصه وحده بالعناية. وسوف أتكلم عن شيء من مظاهر عنايته بي -رحمه الله- بعد قليل.
كما كان (رحمه الله) شديدا في الحق، متمسكاً به في أحواله كلها، لا يتساهل في المواقف المتعلقة بالعقيدة أو بالقرآن الكريم. يشجع الطلاب كثيراً على العلم والاستزادة منه، وحثهم في السعي لنيل الدرجات العليا، والالتحاق بدور العلم، ومرافقة العلماء وصحبتهم. كما كان يتفقد طلابه، ويسأل عنهم إذا غابوا.
أما طريقته في التدريس فكان حافظاً لوقته لا يكاد يغيب أبداً عن مواعيد الدرس ويلاحظ الطلاب ويتابعهم بعناية فائقة. ويستمع إليهم أثناء حفظهم ومراجعتهم بعناية وملاحظات دقيقة، وبخاصة في ضبط التلاوة، ومراعاة أحكام التجويد دقيقها وجليلها، وقد رأيت منه في ذلك شيئاً عجيباً، بل إنه يحرص على الحضور على الرغم مما قد يعانيه من اعتلال في صحته أحياناً يظهر عليه ذلك واضح جداً.
من مظاهر عناية الشيخ بي رحمه الله
قلت إن الشيخ -رحمه الله- يحب طلابه، ويحبه طلابه، بل كل طالب يظن أنه وحده المخصوص بعناية الشيخ، وهنا أذكر بعض مظاهر عناية الشيخ -رحمه الله- فمن ذلك: من عادة جمعية تحفيظ القرآن الكريم أنها تكلف طلابها بصلاة التراويح في أحد المساجد، وتكلف معه أحد زملائه ليستمع إليه، ويتابع حفظه، ويتناوب معه في الصلاة.
وأنا في السنة الأولى من حفظي في عام 1385هـ صليت في المسجد في حينا في حي الروضة في مكة المكرمة، وهو مسجد الأميرة منيرة. والشيخ -رحمه الله- هو الذي أصر على أن يكون المتابع لي وليس أحد الزملاء وهذا من عنايته -رحمه الله- ولا أظنه حصل مع أحد غيري.
ومن مزيد عنايته -رحمه الله- أنه في العشر الأخيرة من رمضان يبقى معي حتى يصلي صلاة التهجد، ويبقى في المسجد ينتظر ما بين التراويح والتهجد، ورغبت منه أن يستريح في البيت وهو قريب من المسجد ولكنه أصر إلا أنه يبقى في المسجد في كل ليالي العشر -رحمه الله- وأحسن إليه. وهنا حصل موقف طريف سوف أذكره بعد قليل في فقرة مواقف وطرائف. وقد بقيت سنوات أصلي التراويح في هذا المسجد مع التهجد في العشر الأخير والذي يتابعني ويستمع إليّ هو الشيخ -رحمه الله- وأحسن إليه ورفع درجاته في عليين.
ومن مظاهر عنايته -رحمه الله- أنني عندما تخرجت من الثانوية وعزمت على الذهاب إلى بعثة لدراسة الطب لم يأذن لي بالسفر حتى قرأت عليه خمس ختمات. حتى يتطمئن على حفظ طالبه وتلميذه، فلما انتهينا قال بإمكانك السفر إذن.
وقد يكون من توفيق الله -عزّ وجل-، ثم من دعاء الوالدين ودعائه -رحمهم الله جميعاً- أنني في سنة البعثة هذه وهي سنة واحدة عدت بعدها لالتحق بكلية الشريعة في مكة المكرمة في هذه السنة صليت التراويح بزملائي في البعثة، وهذه لها قصة طريفة ليس هذا مكان إيرادها.
مواقف وطرائف
رأيت إيراد ما أذكره من بعض المواقف الطريفة ليس لطرافتها فقط، ولكن لأنها تدل على شخصية الشيخ -رحمه الله- وعلمه وفضله وديانته وورعه، وتمثله لكتاب الله -عزّ وجلّ- الذي يحمله في صدره. من ذلك: ماء أخبرني به بنفسه، وقد بكيت حينما أخبرني بها أول مرة وأنا بين يديه أقرأ القرآن في المسجد الحرام.
هذا الموقف يقول الشيخ: حينما جاء إلى المملكة كان مجيئهم عن طريق الدمام، ومن الدمام ركبوا الحافلة براً إلى مكة المكرمة مع مجموعة من الباكستانيين، وسارت الرحلة على ما يرام، وهذا كان في عام 1384هـ فيما أظنه أو 1383هـ يقول وحينما توقفنا في إحدى المحطات -وأظنه في عفيف- نزلنا وتوجهنا نحو بقالة لنأخذ بعض ما نحتاج كعادة المسافرين، ولكن صاحبها يبدو أنه عامي أو من البادية، وقد تكاثر عليه هؤلاء الأغراب الباكستانيون، فتوجس منهم لأنه لا يعرف لغتهم، ولا يعرفون لغته، فبدا عليه شيء من الغلظة، والتوجس، وعدم المرونة في التعامل، يقول الشيخ -رحمه الله- فأدركت ذلك وأنا وإن كنت أعرف العربية ولكن أعرف الفصحى ولا أعرف العامية، ولأجل هذا فأنا لا أدري ماذا يقول؟.. وماذا يريد؟.. ولماذا هو متشدد أو متعصب؟.. فما كان مني إلا أن استحضرت هذه الآية الكريمة وتلوتها أمامه: {... تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} يوسف: 73 فتغير جداً، وهدأت نفسه، ولم يعد يغلظ في القول والتصرف. وهي تبين حال الشيخ وحقيقته، وأظن أن أغلب الذين معه هم من مقرئي القرآن الذي استجلبتهم جمعية تحفيظ القرآن في مكة المكرمة.
الموقف الثاني: في أول سنة صليت فيها التراويح وهو عام 1385هـ في مسجد الأميرة منيرة في حي الروضة في مكة المكرمة كما سبق، وكان الشيخ يصلي خلفي للمتابعة والضبط، ولم أكن قد أتممت حفظ القرآن بعد فقد بلغت سورة الشورى، فلما بلغتها قام الشيخ بإكمال القرآن من أجل أن نختم آخر الشهر، والطريف أنه في الركعة الأولى من أول ليلة يصليها أتى بعد سورة الفاتحة بكل المواطن التي أخطأت فيها من أول البقرة إلى سورة فصلت سردها سرداً عجيباً متسلسلاً من غير تردد أو تلكؤ، وكان حافظاً لها وضابطاً ترتيبها، فلما فرغ منها ركع.
فلما أنهينا الصلاة سألت الشيخ فقال: نعم، حتى لا نخطئ في كتاب الله -فرحمه الله رحمة واسعة- ثم إني أخبرت والدي بذلك -رحمه الله- فتعجب من الضبط ومن الصنيع.
ومن المواقف ما ذكره الأخ الكريم الأستاذ الشيخ عبدالرب فيض الله يقول: طلب مني الشيخ أن أسمع له ختمة كاملة في رمضان فقرأ في الليلة الأولى ثلاث أجزاء بتمهل شديد، ووقت السحور قد اقترب، فقلت له ألا تسرع في القراءة يا شيخنا؟.. فقال: إن الله ينهى عن ذلك ثم قرأ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} القيامة: 16، -فرحمه الله- ما أحرصه على هذه المواقف، لقد كان القرآن الكريم أنيسه له ورده من الليل، وورده من النهار، وأجزاء وأحزاب في الحل والترحال.
وحينما يستعرض الطالب مثل هذا في حياة شيخنا وحرصه على متابعة طلابه مع حيائه وهيبته ووقاره وديانته لا يدري كيف يوفيه جزاءه وبخاصة في حال حياته -رحمه الله-. وقد كنت حينما أذهب إلى باكستان في مهمات رسمية سواء في مجلس الشورى أو في إمامة المسجد الحرام كنت اجتهد في زيارته في منزله والسلام عليه وطلب الدعاء منه، وأحرص ألا أتخلف عن ذلك مهما كان ضغط برنامج الزيارة وكثافة الارتباطات بالمسؤولين وغيرهم.
وأختم بهذا الموقف الطريف لما له من علاقة بالقرآن الكريم وحفظه: في حفل تحفيظ القرآن الكريم لدى جمعية تحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة عام 1386هـ، في المسجد الحرام والذي كنت أحد خريجيه كان الحفل بحضور أمير مكة الأمير مشعل بن عبدالعزيز ووالدي -رحمهما الله- باعتباره الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام، ولأن ابنه أحد المحتفى بهم، وحضور السيد علوي عباس مالكي رئيس الجمعية، وجمع من وجهاء مكة وأولياء أمور الطلاب، أحسب أن فيهم محمد صالح قزاز -رحم الله الجميع-.
وكان الخريجون المحتفى بهم يقرأ كل واحد منهم آيات يختارها من كتاب الله أمام الحضور، وفي الغالب أنه يكون قد راجعها، أو قد يكون رتبها مع شيخه الذي حفظ عليه، وأنا حفظت القرآن الكريم في المسجد الحرام على الشيخ محمد أكبر شاه -رحمه الله-، وكنت مستعداً لأقرأ آيات من سورة فاطر من قوله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ...} الآيات ولعلي قد رتبتها معه، غير أن أحد الطلاب الذين سبقوني قرأها فلم أر من المناسب قراءتها.
فلما جاء دوري قرأت الآيات من آخر سورة النحل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا... الآيات}، فلما انتهى الحفل، وعدت مع والدي -رحمه الله- إلى المنزل قال لي: لماذا قرأت هذه الآيات، فقلت إني كنت متهيئاً لأقرأ الآيات من سورة فاطر، ولكن زميلي الذي سبقني قرأها، فما استحسنت التكرار. فقال. لا لو كنت قرأتها لكان أحسن، لأن لآيات التي قرأتها لا تدل على أنك متمكن من الحفظ، فهذه الآيات يقرأها غير الحفظة من أئمة المساجد، وغيرهم، فرحمه الله وأحسن إليه.. ولم أكن أدرك أبعاد ما ذكره إلا بعد مضي زمن طويل وجاءني أولاد! وكيف أن الأب يسعد كل السعادة ويحب أن تظهر على ابنه معالم النجابة أو مظاهر التميز أو التفوق!!! كما يريد أن يكون ولده من أحسن الأولاد وأميزهم.
هذه شذرات وقطوف من حياة شيخنا الحافظ المقرئ المجود محمد أكبر شاه المظفر آبادي -رحمه الله وأحسن إليه- وقد وافته المنية عام 1429هـ في إسلام أباد.. وقد اختار في أيامه الأخيرة من حياته العزلة والوحدة في مذاكرة الكتب والعبادة وملازمة كتاب الله حتى أنه لم يسمع أحد عن خبر وفاته.. رفع الله درجاته في عليين، وألحقنا به وبالصالحين، وأصلح عقبه وذريته.. وقد خلف زوجة وثلاثة أبناء صديق توفى في حياة الشيخ، وصالح، ومحمود، وثلاث بنات جعلهم الله له صدقة جارية من بعده إنه سميع مجيب.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.