د. أحمد الفراج
بعد الانتهاء من كتابة سلسلة رؤساء أمريكا، نواصل التوقف عند بعض المفارقات العجيبة، والطرائف والمصادفات التاريخية، التي ما زال المؤرخون والمعلقون يتوقفون عندها، فالرئيس، ريتشارد نيكسون، كان داهية سياسة، شق طريقه من حياة الكفاف والفقر، ليصبح نجمًا سياسيًا، ثم اختاره الجنرال الرئيس، وبطل الحرب الكونية الثانية، ديويت ايزنهاور، ليصبح نائبًا له، عندما ترشح للرئاسة ثم فاز بها، في عام 1952، وبعد ذلك ترشح نيكسون للرئاسة، في عام 1960، وهزم أمام الشاب الصاعد، جون كينيدي، ولم ييأس، فقد ترشح مرة أخرى، وفاز بالرئاسة في عام 1968، ولم يكن أبدًا في حاجة لأن يكذب ويراوغ، فقد كان الجميع يتوقع فوزه في معركة إعادة الانتخاب، في عام 1972، فقد كانت مسيرته الرئاسية في فترته الأولى جيدة، علاوة على أنه يحمل تجربة طويلة ومميزة، في الكونجرس، ثم كنائب للرئيس.
وعلاوة على كل ذلك، فقد كان خصمه الديمقراطي، جورج مكقوفرن، ضعيفًا، ولكن طبعه غلب عليه، فمشكلته هي أنه شخصية يصعب الاقتراب منها، وهو لا يثق بأحد، ويكره أسرة آل كينيدي كرها عميقًا، ربما لأنه كان يؤمن بأن كينيدي استطاع هزيمته بسبب الأموال الطائلة، التي أنفقها والده، وبالتالي لم يستطع التخلص من نزعة الفساد، وتجسس على الحزب الديمقراطي، وهي الفضيحة، التي دمّرت مستقبله وحياته، وقد قاوم بكل ما أوتي من قوة، ولكن الفضيحة كانت أكبر من قدراته، كما أن حزبه الجمهوري أدرك أن الوقوف معه سيكلف الحزب غالبًا، ولذا تخلى عنه، وهذا عكس ما يحدث هذه الأيام، إِذ يقف الجمهوريون صفًا واحدًا خلف ترمب، رغم كل الهجوم الشرس، الذي يلاقيه من الديمقراطيين، الذين يطمحون بعزله، والخلاصة هي أن نيكسون كان رئيسًا متميزًا من عيار ثقيل، خسرته أمريكا والعالم، لأنه مارس الفساد، بالرغم من أنه لم يكن بحاجة لذلك، وقد تعلم الدرس بأقسى طريقة ممكنة، ولكن بعد فوات الأوان!.