د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
دائماً ما يتكثّف البذل في بلادنا فتعانقه الإنسانية فتنمو الأواصر لأن هناك علائق منذ الأزل بينها وبينه؛ حيث بلادنا ما زالتْ تصعد مراقي العطاء بسخاء، فنلمح شموسها تنشر الوهج في محيطها، وما جاورها من البلدان الشقيقة والصديقة فتظلّ السعودية ترافق الخير وتحمله، وتفتح أبوابه، وتوقد دروب الوصول إليه، وتسمع وجيب القلوب والنداءات القادمة في داخلها وخلف حدودها, وتستجيبُ وتحشد الهمة لتسوق سحائب الغيث والركائب الطافحة بالعطاء. فظهر الخصب فينا وتعدى حدود بلادنا، وازدان واغدودق, وتقاطرتْ فيوضه لتندى بها أسطر تاريخ الإنسانية, حيث وجه ديننا أن يكون «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
وفي هذا العهد الوارف, عهد ملكنا سلمان -حفظه الله- حيث تسامتْ وارتفعتْ مطالع الوعي، وحطتْ في إهابه ولن تغادره -بإذن الله-. وتجذّرتْ جميع القيم الإنسانية في المملكة العربية السعودية, حتى أصبحت رسالة وطن إلى أمة وإغداق ملك يتوالى، ويصطف ويومض بآمال الخير في الزوايا والنطاقات المسلوبة.. فنحن نشهدُ مشاهد تختصر لنا علاقة هذه البلاد بالإنسانية, حيث تزرع ويحصدون, وتُصيخ لنداءات الواجب فيسعدون، فكان في بلادنا مشروع تأسيسي ممتد وارف متكئ على أفلاك البذل والإغاثة والنجدة والمؤازرة.. ولن أسطّر التفاصيل حيث احتلت حيزاً واسعاً من مشاعري وشعور كل مواطن في بلادنا؛ ذات النماء الممتدّ مساحات من عروق الذهب في منجم سلمان بن عبدالعزيز, الذي تواصل مع العالم، وفتح للإغاثة صناديق البهجة, ورصف دروب التواصل والوشائج بين الشعوب:
قد رسخ الإسلام فيه مبادئا
وبهديه نهجَ الولاةُ وساروا
وتفيأ الشعب الكريم ظلاله
للمسلمين مؤازر ودِثارُ
نعم في عهد خادم الحرمين الشريفين فاضت الغدران، وكان هناك حضور للذاكرة البيضاء التي ارتوت وساقت حكايات ملكنا سلمان الإنسان, الذي أحاط الإغاثة والعمل الإنساني بقلبه وفكره, فأخرج ركازاً ثميناً لدفع الإغاثة, وسقي العمل الإنساني من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية, ولذلك المحضن تكون الريادة في إدارة أعمال الإغاثة ومبادرات الدعم الإنساني التي تغذي غراس الاقتراحات وتجلو نمير تنفيذها, حيث تمتشق النور, وتتحدى أوار العالم الذي حاصر الإنسانية, وشاغب البشرية, حتى أصبحوا في كل واد يهيمون.
إن مناطيد المملكة العربية السعودية تعلو للخير وجبر الكسر؛ حتى وصلت في عهد سلمان الخير إلى مشارف السماء ومشارق الأرض ومغاربها، ومن وجدان خادم الحرمين الشريفين انطلقت فكرة المركز, ليحيطه برعاية مثلى, ويجعله منارة للخير سائراً على نهج المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأبنائه من بعده.
فأصبح التلقي الباسق للنداءات الإنسانية والإغاثية الطارئة التي تنجم عن الكوارث الطبيعية وصناعة الإنسان لفتيل الحروب إنه كان ظلوماً جهولاً.
لقد أضاء سلمان بن عبدالعزيز أروقة المركز بأنه يقوم على البعد الإنساني دون أيّ دوافع أخرى، كما متّن -حفظه الله- نسيج المركز بأنه حيز رافد في مَطلّ المؤسسات والهيئات الإغاثية الدولية المعتمدة. والحقيقة أن المركز استزراع لمشروع إيجابي يقف ضد احتراب الإنسان والاشتجار حول أمنه وقوته.
وبسقتْ أشجار المركز وتنامى حضوره في كل مجالات الدعم الإنساني أينما حل وكان، وكان للصحة نصيب وفير في ريّ الأجساد المنهكة، وللدعم العلاجي والدوائي إستراتيجية مثلى لاكتشاف أماكن الحاجة والأمراض والأوبئة المتركزة في بعض بقاع العالم ممن يفتقدون سبل التعامل مع المرض ومسبباته البيئية؛ وتؤكد الإحصاءات التي تنشرها الجهات الرسمية من خلال ما يرصده ويقوم به مركز الملك سلمان غزارة العطاء وعمق الهدف الإنساني وتحقيق التشارك والتعاون الممنهج في أعلى مستوياته بين بلادنا ويمثلها مركز الملك سلمان للإغاثة وبين ممثلي منظمات التعاون الدولية الإنسانية في دعم مشروعات الصحة الجسدية ومعالجة البيئات الحاضنة لبعض الأمراض المزمنة المنتشرة.. فكان للمركز حملات في دولة نيجيريا لمكافحة العمى وأخرى في باكستان وألبانيا وبنجلاديش واللاجئين الروهينجا فيها والصومال والكاميرون وأفغانستان ودول جنوب إفريقيا، وتوفير الخدمة الصحية وتقديم اللقاحات والتطعيمات للأطفال في مخيمات اللاجئين بجانب صنوف الدعم الآخر للاجئين السوريين في لبنان من خلال مشروع الرعاية الاجتماعية للأيتام والأرامل..
ونالت اليمن جهوداً مضاعفة وصيغتْ لأجلها إستراتيجيات لرفد القطاعات الصحية الحكومية والخاصة للحد من انتشار الأوبئة هناك ومن ذلك مشروعات المياه والإصحاح البيئي ورش المبيدات لمكافحة الملاريا وحمى الضنك والاتفاقيات لعلاج الجرحى والمصابين في الحرب الدائرة هناك.
ومما يتبين أن الأعداد المرصودة للإنجازات الطبية والصحية عامة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية تتحدث عن نفسها كماً وكيفاً، وأن الشمولية المذهلة التي ينتهجها المركز قد تمخضت عن نتاج إنساني غزير، وأن المركز يسير وفق تبويب عالي المستوى واستثمار لإمكانيات بلادنا، وأن لدى المركز أسهماً عليا في الوقاية الصحية مثلما يوجد لديه من أسهم العلاج، ومن اللافت أن ما يقدمه المركز في الدعم الصحي يتم وفق تعاون مدروس مع المنظمات الدولية ذات المسؤوليات المماثلة تحقيقاً للمتابعة ورغبة في نتائج مثلى، ومن ورود المركز العطرة أنه منفذ جدير بصير لمفهوم التطوع في بعض أعماله أين يكون ومتى! وأن رسالته استثناء في ديمومتها واستمرارها ووهجها الذي ينفلق كل يوم عن منجز إنساني عظيم.