المدينة المنورة - مروان قصاص:
يحرص قادة هذه البلاد على اعتماد آليات ومشروعات تهدف إلى تحقيق أعلى مستويات الراحة لحجاج بيت الله الحرام ويؤكدون على هذا الهدف النبيل وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظهم الله- عنايتهم بتطوير خدمات المملكة لضيوف الرحمن.
وقد أثبتت المملكة العربية السعودية جدارتها بخدمة المقدسات الإسلامية ورعاية شؤون زوارها من حجاج وعمار وهي المهمة التي شرف الله عز وجل هذه البلاد قيادة وشعبا وخصهم بها وشهد العالم بما حققوه من تطوير ومنجزات للحرمين وللمشاعر المقدسة، وأنهم يؤدون الأمانة كما ينبغي، ولعل نجاح موسم الحج الماضي 1440 الذي حاز على إعجاب وتقدير العالم والمنظمات الدولية حيث كان حجا ذكيا وآمنا ولله الحمد والشكر وشهد خدمات جديدة.
اهتمام ورعاية
واهتمامات القيادة السعودية بالحج بدأت مع تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ وكانت مكة المكرمة تعاني من نقص في المياه، وتزداد المعاناة مع قدوم موسم الحج وارتفاع الاستهلاك، وكانت المشاعر المقدسة أكثر معاناة لعدم وجود شبكات لتوزيع المياه ـ آنذاك، إضافة إلى عدم توفر وسائل نقل للمياه قادرة على إيصالها بشكل سريع وجيد.
وقد أدرك الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ ذلك بعد دخوله مكة المكرمة، فعمل على بحث احتياجات الحجاج من المياه وإزالة العوائق أمامهم، وجاءت خطوته الأولى بصدور أمره الكريم في السادس عشر من محرم عام 1346هـ بحفر عدد من الآبار الارتوازية بالمشاعر المقدسة، إضافة إلى توجيهه في العام نفسه بإنشاء إدارة خاصة تعنى بالمياه وتعمل على توفيرها أطلق عليها «إدارة عين زبيدة»، والتي تولت الإشراف الكامل على عين زبيدة والآبار الخاصة بها، وعملت على تنظيفها وترميمها.
استمرار مسيرة التطوير
واستمرت عناية الملك المؤسس رحمة الله عليه بشؤون الحج والعمرة حيث تبنى إنشاء مديرية للحج والأوقاف الإسلامية في عام 1365هـ وذلك عندما أصدر الملك عبد العزيز مرسومًا ملكيًا بإنشاء مديرية الحج والحرمين الشريفين وتعيين الشيخ محمد بن صالح آل الشيخ مديرا لها واستمر العمل لفترة حتى صدر مرسوم ملكي رقم ر/3/145 بتاريخ 3/2/1374هـ على تغيير اسم مديرية الحج والحرمين الشريفين إلى اسم مديرية الحج والأوقاف الإسلامية ودخلت تطورات كبيرة بعد تغيير اسمها فكانت تهتم بالحرمين الشريفين والحج فأصبحت تهتم بالمساجد والحرمين الشريفين.
امتداد العناية بالحجاج
وبهذا أرسى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ثوابت راسخة في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ورعاية ضيوف الرحمن وأنجزت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر المشروعات العملاقة لخدمة الحجاج والمعتمرين وضيوف بيت الله الحرام. وكانت توسعة الحرمين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي دليلا وشاهدا للتاريخ ومنذ عهد المؤسس واصل الملوك الذين توؤوا القيادة النهج حتى هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود- رعاه الله-.
مخطط شامل في مكة المكرمة
وقد كشف المخطط الشامل لمكة المكرمة الذي يحظى بعناية كبيرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- أن القدرة الاستيعابية للمشاعر المقدسة سترتفع إلى أربعة ملايين حاج في عام 2040، وهو العام الذي ينتهي فيه تنفيذ المخطط بشكل كامل، فيما تكشف خطة التطوير إلى أن عدد الحجاج في المستقبل القريب سيصل للطاقة الاستيعابية الحالية البالغة 2.8 مليون حاج..
وسوف تتم هذه المشروعات العملاقة مع الأخذ بعين الاعتبار مواكبة حقائق هامة منها أن مساحة كل من المشاعر المقدسة محدودة ضمن الحدود الشرعية لكل منها، وأن الجميع يؤدون مناسك محددة في مواعيد محددة زمنيا، يضاف إلى هذه القيود حقيقة أن الحجاج يتحركون معا كحشود كبيرة من مكان أحد المناسك إلى مكان منسك آخر، الأمر الذي يوجد تحديا لتوفير وتنسيق وسائل النقل والإمداد والإدارة الملائمة.
الخطة تهدف لاستقبال
أربعة ملايين حاج
وفي ظل تحليلات الخطة التطويرية للمشاعر المقدسة، لفت الخبراء، إلى أن الحد الاستيعابي الأقصى لمشعر عرفات هو أربعة ملايين حاج بمعيار مساحي يبلغ 3.6 متر مربع لكل شخص، وفيما يخص مشعر منى، فإن العلاقة بين مستخدمي الإقامة الطويلة ومستخدمي الإقامة القصيرة والقيود الطبوغرافية لوادي منى جعلت الحسابات المكانية والمؤقتة أكثر تعقيدا، مفيدين بأن الطبيعة الحيوية لعدد الحجاج في منى، يمكن شغل نفس الحد البالغ أربعة ملايين حاج بمزيج من الخيام ومناطق مدة الإقامة القصيرة والاستصلاح المقترح في الخطة لسفوح الجبال، خاصة أن رقم الذروة هذا أيضا هو التوقع الرقمي لأعداد الحجاج النظاميين بحلول سنة هدف الخطة، وهو العام 2040م حيث تساوي الطاقة الاستيعابية البالغة أربعة ملايين في المشاعر إجمالي الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام بمساحته المدعومة بالساحات العامة المحيطة به والساحات العامة والفرعية الموصى بها في المخطط الشامل، كما أن الرقم أيضا يمثل حد الطاقة الاستيعابية القصوى لنظام النقل العام والمشاة بين الأماكن المقدسة في المشاعر وفق التركيبات المقترحة.
تطوير الجمرات وأثره الإيجابي
ومن المشروعات العملاقة والتي وفرت أمن وسلامة الحجاج يبرز مشروع تطوير منطقة الجمرات في مشعر منى الذي يعتبر درة المشاريع التطويرية التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين في المشاعر المقدسة في نطاق سعيها الدؤوب لتوفير أرقى الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وبما يحفظ أمنهم وسلامتهم بمشيئة الله، وليؤدوا مناسك حجهم في جو مفعم بالأمن والإيمان ومزيد من الأمن والطمأنينة، ويعد المشروع نقلة حضارية وهندسية نوعية توفر أهدافا أساسية لانسيابية حركة الحجاج ضمن ظروف آمنة ومريحة تحقق لهم السلامة والراحة خلال أدائهم هذا النسك إضافة إلى خفض كثافة الحجاج عند مداخل الجسر وذلك بتعدد المداخل وتباعدها مما يسهم في تفتيت الكتل البشرية عند المداخل وتسهيل وصول الحجاج إلى الجمرات من الجهة التي قدموا منها وتوفير وسائل السلامة والخدمات المساندة أثناء تأدية ضيوف الرحمن نسك رمي جمرة العقبة يوم العيد ورمي الجمار أيام التشريق.
ويبلغ طول الجسر 950 مترا وعرضه 80 مترا وصمم على أن تكون أساسات المشروع قادرة على تحمل 12 طابقا وخمسة ملايين حاج في المستقبل إذا دعت الحاجة لذلك، ويبلغ ارتفاع الدور الواحد اثني عشر مترا ويشتمل المشروع على ثلاثة أنفاق وأعمال إنشائية مع إمكانية التطوير المستقبلي.
ويوفر المشروع 11 مدخلا للجمرات و12 مخرجا في الاتجاهات الأربعة إضافة إلى تزويده بمهبط لطائرات مروحية لحالات الطوارىء ونظام تبريد متطور يعمل بنظام التكييف الصحراوي يضخ نوعا من الرذاذ على الحجاج والمناطق المحيطة بالجمرات مما يسهم في خفض درجة الحرارة إلى نحو 29 درجة، وأنفاقا أرضية.
نجاح حج 1440
بلغ عدد الحجاج للعام 1440 مليونين و489 ألفاً و406 حجاج وحاجات توافدوا إلى المملكة عبر المنافذ المختلفة، وتم توفير كافة أوجه الرعاية والاهتمام لهم خلال أدائهم المناسك. ورغم ضخامة هذا الحدث فإن المملكة وباحترافية شديدة نجحت في نقل جميع الحجاج من عرفات إلى مزدلفة خلال مدة زمنية بلغت 6 ساعات فقط وقد أثبت برنامج المسار الالكتروني للحجاج تجاحا كبيرا ويتم تعميمها في حج هذا العام 1441 ليشمل العديد من الدول.وتوجه الحجاج بأسمى آيات الشكر والتقدير إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة على الجهود الكبيرة التي بذلتها خلال موسم الحج، والدعم والرعاية الكبيرين اللذين قدمتهما إلى ضيوف الرحمن على اختلاف جنسياتهم.
إشادة بالنجاح
وهنأ الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف العثيمين، المملكة قيادة وحكومة وشعباً، على النجاح القياسي لموسم الحج، مضيفاً أن الحجاج أدوا نسكهم بكل يسر واطمئنان.
وقدم العثيمين، شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان على توفير الخدمات والتسهيلات لضيوف الرحمن منذ وصولهم إلى الأراضي المقدسة، حتى عودتهم إلى بلادهم بأمن وسلامة. وقال: «إن الخدمات الجبارة التي تقدمها الحكومة السعودية لخدمة الحجاج وأسهمت بنجاح موسم الحج بامتياز.
من جانبه ثمّن وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف البحريني، رئيس اللجنة العليا لشؤون الحج والعمرة خالد بن علي آل خليفة، جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في خدمة ضيوف الرحمن من حجاج بيت الله الحرام، وتقديم الخدمات والتسهيلات ليؤدي الحجاج مناسكهم بكل يسر وسلاسة وراحة آمنين مطمئنين، وما حظيت به بعثة بلاده وجهودها في خدمة الحجاج البحرينيين.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الوزير البحريني قوله: «النجاح الكبير لتنظيم موسم الحج لهذا العام وسلاسة تصعيد وتفويج الحجاج بين المشاعر، هو امتداد للمسيرة التاريخية المباركة للمملكة العربية السعودية الشقيقة، قيادةً وحكومةً وشعبًا في استقبال ضيوف الرحمن وحسن التنظيم لأداء مناسك هذه الشعيرة العظيمة لجميع الحجاج دون استثناء».
بدوره أكّد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتي فهد الشعلة، أنّ موسم الحج هذا العام نجح بشكل منقطع النظير بشهادة القاصي والداني، وثمّن الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة لخدمة ضيوف الرحمن لتأدية مناسكهم على الوجه الأكمل.
وأضاف: «هذا النجاح تحقَّق نتيجة للجهود التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لخدمة ضيوف الرحمن وتوفيرها جميع الإمكانات حتى تكلّلت كل تلك الجهود بهذا النجاح الكبير.. موسم الحج هذا العام كان متميزًا من كل الجوانب سواء من ناحية الاستعدادات المبكرة أو توفير الطاقات البشرية والمادية الهائلة أو من الناحية التنظيمية أو الميدانية إضافةً إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات الذكية للتيسير على الحجاج».
وقدّم الشعلة، التبريكات لوزير الحج والعمرة السعودي محمد طاهر بنجاح موسم الحج، مشيدًا بالدور المميز والرائد لوزارة الحج والعمرة في إدارة منظومة الحج.
الحج بالأرقام
أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن إجمالي أعداد الحجاج لهذا العام بلغ 2.489.406 حجّاج، منهم 1.855.027 حاجًّا من خارج المملكة، فيما بلغ عدد حجاج الداخل 634.379 حاجًّا يمثل غير السعوديين منهم ما نسبته 67%.
وفيما يخص الحجاج القادمين من خارج المملكة فقد بلغ عدد حجاج دول مجلس التعاون الخليجي 31884 حاجًّا بنسبة 2%، وبلغ عدد حجاج الدول العربية عدا دول مجلس التعاون الخليجي 414750 حاجًّا بنسبة 22%، وبلغ عدد حجاج الدول الآسيوية عدا الدول العربية 1126633 حاجًّا بنسبة 61%، أما حجاج الدول الإفريقية عدا الدول العربية فقد بلغت أعدادُهم 187814 حاجًّا بنسبة 10%، وبلغ عدد حجاج الدول الأوروبية 67054 حاجًّا بنسبة 4%، بينما بلغ عدد حجاج دول أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا 26892 حاجًّا بنسبة 1%. وقد وصل 1741568 حاجًّا من الحجاج القادمين من خارج المملكة عن طريق المنافذ الجوية، بينما وصل 96209 منهم عن طريق المنافذ البرية، فيما وصل عن طريق المنافذ البحرية 17250 حاجًّا، وتنوعت كثافة وصول الحجاج إلى المملكة العربية السعودية على عدة فترات زمانية، حيث وصل 614919 حاجًّا من خارج المملكة خلال الفترة من بداية الموسم وحتى 18 من ذي القعدة، بينما وصل 808311 حاجًّا خلال الفترة (من 19 إلى 29) من شهر ذي القعدة، واستكمل 431797 حاجًّا وصولهم إلى المملكة العربية السعودية خلال الفترة (من 1 إلى 8) من شهر ذي الحجة.
من حيث أعداد السيارات الناقلة لحجاج الداخل إلى مدينة مكة المكرمة هذا العام فقد بلغت 32978 سيارة.
وفيما يخص أعداد القوى العاملة للجهات التي قدَّمت خدماتها لضيوف الرحمن هذا الموسم من كافة القطاعات، فقد بلغ إجمالي عدد القوى العاملة المشاركة في خدمة الحجاج أكثر من 350830 شخصاً، يمثلون أكثر من 47 جهةً حكومية وخاصة مشاركة في تقديم أكثر من 353 خدمة رئيسة وفرعية، حيث بلغ إجمالي عدد القوى العاملة التي تقدم خدمات الإشراف والمتابعة على أعمال الحج من 6 جهات 6336 مشرفا ومشرفة، فيما بلغ إجمالي القوى العاملة التي تقدم خدمات الحج العامة 257763 موظفًا وموظفةً، من 21 جهةً، وتجاوز إجمالي عدد القوى العاملة في خدمات الحجاج الصحية والطبية 30908 موظفين وموظفات من 3 جهات، أما القوى العامة التي تقدِّم خدمات نقل الحجاج والبريد والخدمات اللوجستية (الشحن، والبريد، والإمداد) فقد بلغت 38750 موظفًا وموظفةً من 8 جهات، فيما بلغت أعداد القوى العاملة في خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات 7098 موظفًا وموظفةً من 4 جهات، بالإضافة لعمل 9975 متطوعاً ومتطوعة في مجال خدمة كبار السن، التوجيه والإرشاد، علاقات الحجاج، الترجمة، وفي المجال الصحي والإعلامي.
الحجاج يؤكدون تطور الخدمات
وقد عبر معظم الحجاج من مختلف الجنسيات في العالم الذين عادوا إلى أوطانهم شاكرين الله عز وجل أن أكرمهم بأداء فريضة الحج، شاكرين ومقدرين لحكومة المملكة العربية السعودية قيادة ومسؤولين وشعبا لدورهم في وضع جميع الإمكانات المالية والبشرية لخدمة الحجاج والعناية بهم وأكدوا أنهم لمسوا ثمرة هذا الاهتمام والبذل، وهم لا يعلمون حجم هذه الإمكانات التي سخرتها المملكة لخدمتهم ولكنهم ثمنوا هذه الجهود التي أسهمت في تسهيل أداء مناسكهم.