وهب الله سبحانه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصية فذة لفتت أنظار واهتمام المراقبين والمحللين والكتّاب؛ رغم أنه حفظه الله يحرص دوماً على أن تتحدث أعماله الجليلة عن نفسها دون أضواء وضجيج إعلامي.. كما جذب انتباه المراقبين والمؤرخين حضور الملك سلمان اللافت في معالجة وحلحلة القضايا الإقليمية والدولية بما يفضي لإحلال السلم والأمن الدوليين، ومبادراته -أيده الله- بكل مسعى يؤدي للخير والوئام وإسعاد المجتمعات.
تمت مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ملكاً للمملكة العربية السعودية في 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 23 يناير 2015م.. وفي مثل هذه الأيام من كل عام تتجدد البيعة من كافة أبناء الوطن معبرين من خلالها عن حجم الوفاء والولاء للمليك والوطن.
نشأة الملك سلمان
ولد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الخامس من شوال سنة 1354هـ الموافق 31 ديسمبر 1935م، في الرياض وهو الابن الخامس والعشرون لمؤسس المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-.. ونشأ -أمد الله بعمره- مع إخوانه في القصر الملكي بالرياض، حيث كان يرافق والده في اللقاءات الرسمية مع ملوك وحكام العالم.. وتلقى تعليمه المبكر بمدرسة الأمراء بالرياض، حيث درس فيها العلوم الدينية والعلوم الحديثة، وختم القرآن الكريم كاملاً وهو في سن العاشرة على يد أحد أئمة المسجد الحرام.
وقد أبدى الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ الصغر اهتماماً بالعلم وحصل لاحقاً على العديد من الشهادات الفخرية والجوائز الأكاديمية منها:
• الدكتوراه الفخرية، من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
• الدكتوراه الفخرية في الآداب تقديراً من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
• الدكتوراه الفخرية من الجامعة الملية الإسلامية في دلهي تقديراً لجهوده الإنسانية الخيرية والتزامه بدعم التعليم وتميزه -حفظه الله- كرجل دولة مشهود له عالمياً.
• الدكتوراه الفخرية في الحقوق من جامعة واسيدا اليابانية تقديراً لإسهاماته البارزة في المملكة والعالم.
• وسام «كنت» من أكاديمية برلين-براندنبرغ للعلوم والعلوم الإنسانية تقديراً لمساهماته العلمية.
أمير الرياض ومهندس نهضتها
بتاريخ 11 رجب 1373هـ الموافق 16 مارس 1954م عيّن سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة الرياض بالنيابة وهو في التاسعة عشرة من العمر، وبعد عام واحد عُيّن -حفظه الله- حاكماً لمنطقة الرياض وأميراً عليها بمرتبة وزير وذلك بتاريخ 25 شعبان 1374هـ الموافق 18 أبريل 1955م.. فقد تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منصب أمير منطقة الرياض إحدى أكبر مناطق المملكة العربية السعودية في المساحة والسكان وعاصمة الدولة، وذلك في مرحلة مهمة من تاريخ هذه المدينة واستمر أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود أشرف خلالها على عملية تحول المنطقة من بلدة متوسطة الحجم يسكنها حوالي 200 ألف نسمة إلى إحدى أسرع العواصم نمواً في العالم العربي اليوم.. حيث تحتضن أكثر من 5 ملايين نسمة. وأثبت قدرة عالية على المبادرة وتحقيق الإنجازات، وباتت العاصمة السعودية اليوم إحدى أغنى المدن في المنطقة ومركزاً إقليمياً للسفر والتجارة.
وقد شهدت الرياض خلال توليه الإمارة إنجاز العديد من مشروعات البنية التحتية الكبرى مثل الطرق السريعة والحديثة والمدارس والمستشفيات والجامعات إلى جانب المتاحف والإستادات الرياضية وإعداد مشروع مترو الرياض.. وتضم العاصمة السعودية الرياض عدداً من المعالم المعمارية البارزة، وهي تمتد على مساحة عمرانية تجعلها إحدى أكبر مدن العالم مساحة.
سلمان القائد والإداري المحنك
شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصية ملفتة بمواقفه الصلبة الحازمة والإنسانية الحانية، والاطلاع الثقافي المتابع لإنتاجات الفكر والثقافة العربية، وهذا ما جعل الصحف المحلية والعربية بل والأجنبية ووسائل إعلام مختلفة ترصد جوانب هامة من شخصية قائد العزم والحزم، ولم يكن ذلكم بالجديد في حياة الملك سلمان، فقد كان متابعاً حكيماً لمجالس والده ولقاءاته بالساسة والعلماء ورجالات الفكر والدبلوماسية وأهل الرأي، وأشاد بشخصية خادم الحرمين الشريفين من عملوا معه أو عرفوه عن قرب، وأنه جمع فضائل الخصال التي أهّلته ليكون رمزًا للعروبة والإسلام.. ورأى هؤلاء أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يمتاز بشخصية تتسم بالعديد من الصفات السياسية والتاريخية والثقافية والإدارية والإنسانية التي عرفها كل سعودي وعربي ومسلم عن قرب خلال عقود من خدمته -حفظه الله- لأمته والإنسانية، وأجمع القريبون من خادم الحرمين أنه يتمتع بالحزم والفراسة والفطنة والحضور الذهني والحكمة والمتابعة الدقيقة لكل شئون البلاد، وحرصه الشديد على الاستماع لأصحاب الشكاوى والمظالم، واحترامه للوقت وانضباطه في العمل.
قالت مجلة (الدارة) الصادرة عن دارة الملك عبدالعزيز: (خمسون عامًا من تاريخ نجد سطرها سلمان بعقله وفؤاده وشبابه ورجاله، عمرانًا بشريًا فريدًا، في شتى المجالات؛ وسلمان بحق هو المؤرخ الأول المعاصر في بلادنا؛ ممارسة وهواية ودراية، وهو رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، والرئيس الفخري للجمعية التاريخية السعودية، ومؤسس جائزة ومنحة الملك سلمان لدراسات الجزيرة العربية؛ فضلاً عن كونه أمير منطقة الرياض، مهد الدولة والدعوة التي انطلقت برسالتها المباركة لتشمل الجزيرة العربية منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي)، ويضيف: (لما كان دخول الملك عبدالعزيز الرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319 هجرية، واسترداده ملك آبائه وأجداده، ملحمة من ملامح تاريخ الجزيرة العربية الحديث، والحد الفاصل بين فوضى الماضي واستقرار المستقبل، فإن الملك سلمان عندما تولى إمارة منطقة الرياض قد أضاف إلى منجزات الملك عبدالعزيز ورصيد إخوانه الذي تولوا إمارة الرياض منجزات أخرى واكبت تطور العصر وسياق التنمية وفكر الإنسان المتجدد).
وتعد القراءة وحب الاطلاع والثقافة إحدى هوايات واهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث تعد مكتبته الخاصة من نماذج المكتبات التي تعكس صفاته واهتمامه، ويتجاوز إجمالي مقتنيات المكتبة عشرات الآلاف من العناوين، وتضم المكتبة أهم الموسوعات والأعمال المرجعية في العلوم الدينية، إضافة إلى كتب التراث والتاريخ العربي والإسلامي، إلى جانب أهم مصادر علوم السياسة والإدارة، كما تضم مجموعة كبيرة من الأبحاث والتقارير والرسائل الجامعية، كما تحتوي المكتبة الأعمال الرئيسية وأمهات الكتب التي تتعلق بتاريخ السعودية قديمًا وحديثًا، وسيرة الملك عبدالعزيز وتراجم الأعلام والقادة، وكتب الرحلات والمذكرات، وفنون الأدب، ودواوين الشعر العربي القديم والحديث بما في ذلك الشعر الشعبي القديم في الجزيرة العربية، إلى جانب معظم المؤلفات من الإنتاج الفكري السعودي قديمه وحديثه.
وقد حقق -حفظه الله- منذ توليه إمارة منطقة الرياض نجاحات كبيرة ستبقى شاهدة على حسن الأداء وغزارة العطاء بمجالات متعددة، وطالما نبه رجال الأعمال بالمملكة بأن يضعوا الله -عز وجل- نصب أعينهم بكل تعاملاتهم تواصلاً لما دأبت عليه قيادات المملكة بشتى المجالات، وكان من أوجه رعايته -رعاه الله- لمناشط الاقتصاد بالمملكة افتتاحه لعدد من المعارض والندوات والفعاليات الاقتصادية كمعرض الصناعات الوطنية الذي وصفه خادم الحرمين الشريفين بأنه تجسيد للصورة الحقيقية للصناعة السعودية، كما كان دائم المطالبة من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة أن تعطى فكرة كاملة عن الصناعات الوطنية حتى تصل لكل مواطني المملكة.
التصدي للإرهاب
لم يأل قائد الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- جهداً بسبيل محاربة التطرف والإرهاب ولجم الفئات الباغية، وأكد -أعزه الله- بمناسبات ومواقف متعددة، إن المملكة ستضرب بيد من حديد كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات الشباب السعودي، وان المجتمع السعودي شريك مع الدولة بجهودها وسياساتها لمحاربة الفكر الضال، وإن ما يشهده العالم الإسلامي اليوم من فرقة وتناحر يدعونا جميعاً إلى بذل قصارى الجهد لتوحيد الكلمة والصف والعمل سوياً لحلّ مشاكل الأمة الإسلامية ونصرة قضاياها، وإن أكبر تحدٍّ تواجهه أمتنا الإسلامية هو المحافظة على ثروتها الحقيقية وأمل مستقبلها وهم الشباب من المخاطر التي تواجههم وبخاصة الغلو والتطرف واتباع الدعوات الخبيثة المظللة التي تدفعهم إلى سلوكيات وممارسات شاذة وغريبة تتنافى مع الفطرة السوية، ومع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، كما أكد على مواقف المملكة الثابتة إذ يقول: (نحن في هذا البلد نهتدي بتعاليم ديننا الإسلامي الذي يعصم الدماء والأموال.. مستشعرين موقعنا في قلب العالم الإسلامي، وتشرفنا بخدمة الإسلام والوقوف بجانب المسلمين في أرجاء المعمورة، والدفاع عن قضاياهم المشروعة وفي مقدمتها قضية فلسطين).
ويسجل التاريخ بفخر وشرف باتخاذ الملك سلمان بن عبدالعزيز القرار الشجاع بانطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين المعتدين على حدود المملكة الجنوبية مدعومين من طغمة طهران الضالة، ولمساعدة الحكومة الشرعية باليمن الشقيق بطلب رسمي منها لإعادة الشرعية وبتأييد أممي ودولي بعد الانقلاب الحوثي، وذلك بعد استنفاذ الحلول السلمية، فقدحت الشرارة الأولى لعاصفة الحزم وبتوجيه سديد من لدن خادم الحرمين الشريفين من قصر العوجا بالرياض، الاسم الذي ارتبط بذاكرة السعوديين بـ(أهل العوجا) عندما كانوا يقومون بعرضتهم إثر انتصارهم بالمعارك الفاصلة، تلك التي دافعت فيها الدولة السعودية منذ قيامها عن حدودها وحدود جيرانها، كما فعلت في الماضي وتفعل اليوم، وعاصفة الحزم عملية عسكرية سعودية، بمشاركة تحالف دولي مكون من عشر دول ضد جماعة من سموا أنفسهم بـ(أنصار الله) -الحوثيون- والقوات الموالية لهم، بدأت قبيل فجر يوم الخميس 5 جمادى الثانية 1436 هـ -26 مارس 2015، وذلك عندما قامت القوات الجوية الملكية السعودية بقصف جوي كثيف على المواقع التابعة لمسلحي جماعة (الحوثي) فيما عدت عاصفة الحزم إعلان بداية العمليات العسكرية بقيادة المملكة، حيث تمت فيها السيطرة على أجواء اليمن وتدمير الدفاعات الجوية ونظم الاتصالات العسكرية خلال الساعة الأولى من العملية، وأعلنت المملكة بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة، وحذرت من الاقتراب من الموانئ اليمنية، وكان سمو وزير الدفاع قد حذّر قبل بدء العمليات من عواقب التحرك نحو عدن.. وجاءت العمليات بعد طلب تقدم به الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي لإيقاف الحوثيين الذين بدأوا هجوماً واسعاً على المحافظات الجنوبية، وأصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن، التي انتقل إليها الرئيس هادي بعد انقلاب 2014 في اليمن.. وفي 21 أبريل 2015 أعلنت قيادة العملية عن توقف عملية عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل، وذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع في المملكة إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديداً لأمن المملكة العربية السعودية والدول المجاورة.