د.عبدالعزيز الثويني
تتباين الشخصيات فيما بينها من ناحية العطاء والإحساس بالآخرين، ولعلي في هذا المقال أسرد لكم موقفًا يبين لكم أثر العطاء حتى في مجال الرياضة ليس على شخصية الباذل ذاته ولكن على المجتمع بأسره، وهنا أوضح أن العطاء ليس المقصود به العطاء المادي البحت، وإنما يتعدى ذلك بأميال كثيرة. كان هناك يا صاحبي رئيس نادٍ رياضي اشتهر في المجتمع الأمريكي بكفاءته وخبرته لكنه كان يتميز بالإيثار وبما يهم فريقه هو بغض النظر عن خسائره الخاصة، عرض عليه ذات يوم مايكل جوردن في صباه قبل أن يبرز لكنه رفض وآثر عليه لاعبًا توسم فيه خيرًا لكن هذا اللاعب فشل فيما بعد وخيب آمال هذا الرئيس الذي وثق فيه، وليست هذه نقطة الحوار هنا، إنما الحوار يدور كيف تصرف هذا الرئيس حينما تبين فشل هذا اللاعب، هل كابر وأصر عليه في كل مباراة كونه استثمر فيه وبذل فيه أموالاً طائلة؟ أم كان يهمه مصلحة الفريق ككل؟ لقد كان هذا الرئيس لطيفًا ودودًا حتى مع هذا اللاعب حتى أعطاه فرصًا كافية لكن لما رأى عدم قدرته على خدمة الفريق، أخبره بلطف بمغادرة الفريق والبحث عن فريق آخر، بل صرح هذا الرئيس بأنه أخطأ في اختيار هذا اللاعب. وهنا يتبين الفرق بين شخصية الباذل وشخصية الآخذ، الباذل يهمه مصلحة مجتمعه وفريقه ولا ينظر إلى ذلك من ناحية شخصية بينما الآخذ تهمه مصلحة نفسه وتأخذه العزة بالإثم ولا يعنيه مصلحة مجتمعه على الإطلاق، إنما يهمه أن يستمر على خطئه حتى ولو كلفه كثيرًا ولا يعترف بخطئه، بل يدافع عنه، وهذه القصة تتماثل معها نماذج كثيرة في مجتمعنا، خصوصًا في دائرة التربية حينما ينشأ الطفل على النظر إلى الذات وفيما يوازي رغباته دون النظر إلى وضع أهله وأصدقائه، بل حتى في النظرة المجتمعية لشخصية الباذل الكريم الذي يتميز بطيبة تفوق الوصف وإيثار غاية الجمال، تجد في تلك النظرة تقليلاً من ذلك وتحقيرًا منه أثر ذلك على صغارنا وأطفالنا، وكأن البطل هو من ينظر إلى مصلحته هو فقط، والخاسر من تميز بطيبته وحبه لمجتمعه. لقد لقي هذا الرئيس في مجتمعه الرياضي تصفيقًا لشجاعته ولكرمه حينما آثر فريقه في كل الأحوال ولم يهمه خسارة مليون أو ثلاثة، إنما الم هم أن يبقى فريقه في القمة، وفعلاً نجح فريقه وأبدع في التميز، بعد الله، بشجاعة واعتراف رئيسه، وسرعة تحمله لخطئه، ومحاولة إصلاحه بما يستطيع، المهم ألا يبقى الخطأ ينزف ويستنزف من فريقه، وهكذا تكون حكاية العظماء!