سمر المقرن
بوعي وإدراك وبصيرة ثاقبة، أدركت المملكة مبكراً مخاطر غسل الأموال وهي جريمة عالمية اقتصادية كبرى تتصاعد بوحشية في ظل العولمة الاقتصادية وشيوع التجارة الإلكترونية، وبذلت مملكتنا جهوداً جبارة لمكافحة جرائم غسيل الأموال لتكون أول دولة عربية تنضم وبجدارة مع 37 دولة من أنحاء العالم لمجموعة العمل المالي «فاتف» التي أنشأت عام 1989ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، بهدف محاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب وغسل الأموال. وهو ما أكده أيضاً مؤشر بازل أن المملكة من بين الدول الأكثر متانة في مكافحة غسل الأموال، لأنها وضعت قوانين صارمة لمن يُقدم على أفعال معينة تعد ضمن جرائم غسل الأموال منها تحويل أو تغيير أو نقل الأموال المشبوهة المعروف إنها متحصلات جريمة ما لإخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال، سواء كان الاتجار في المخدرات أو الرقيق الأبيض أو الخطف أو السلاح أو الرشوة إلى آخره، وتنبه اللجنة الدائمة لمكافحة غسيل الأموال بالمملكة مواطنيها بتوخي الحذر من الوقوع في كل ما سبق، ووضعت ضوابط كثيرة تحاصر آفة غسل الأموال، وهناك عقوبات تُعرض صاحبها لغرامة مالية تصل إلى سبعة ملايين ريال والسجن لمدة تصل خمسة عشر عاماً أو بكلتا العقوبتين، ويتم منع المحكوم عليه بالسجن في هذه الجرائم من السفر خارج المملكة لمدة مماثلة لسنوات عقوبته، كما يتم إبعاد غير السعودي من المملكة بعد قضاء العقوبة ويجوز تخفيف العقوبة إذا ابلغ مرتكب غسل الأموال السلطات عن الجريمة قبل علم السلطات المختصة أو بلغ عن مرتكبيها.
ويعود أصل مصطلح غسل الأموال إلى عصابات المافيا التي تقوم بالاتجار في المخدرات وتبيعها بالقطاعي ملتصقة برائحة معينة تنتقل إلى الأموال التي يتم شراء المخدرات بها، ويقوم مالك الأموال بغسلها «بمعنى الكلمة» بالتبخير أو بمواد خاصة لإزالة رائحتها ليتسنى له إيداعها في البنوك والقنوات الشرعية دون التعرف على أنها أموال قذرة. ومما يذكر أن أشهر قضية غسل أموال عالمية كانت تخص زوج ابنة الرئيس الروسي (بوريس يلتسن) الذي قام بسرقة حوالي عشرة مليارات دولار من القروض الدولية التي مُنحت لروسيا وقام بغسلها في أحد البنوك الأمريكية.
ويشير خبراء الاقتصاد العالميين أن المبالغ المالية التي يتم غسلها سنوياً تعادل ترليون دولار، وهو ما يوازي 15 % من حجم التجارة العالمية تقريباً، وإن البنوك السويسرية تضم ما يقارب من ترليوني دولار من الأموال القذرة. كما نوهت أحد تقارير الأمم المتحدة مؤخراً أن سويسرا في مصاف الدول التي تستقبل الأموال المغسولة بقيمة حوالي 750 مليون دولار سنوياً يتبعها لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك!.
مخيف جداً، ما نراه حول العالم من هذا الجرائم، لكن المطمئن والمريح أن التشريعات السعودية قد أغلقت كل المنافذ أمام هذا النوع من الجرائم، والمتابع يجد تطور كبير ومتواصل في الإجراءات التي تحاصرها.