سهوب بغدادي
فيما يعتقد البعض بأن قلة توفر الخيارات المتاحة قد يسبب الحيرة والألم, في حين ألقي لكم الضوء أعزائي القراء اليوم على ظاهرة نغفلها نظراً لعدم تفكرنا وتمعنا في ماهيتها, ألا وهي «متلازمة البوفيه المفتوح». بالطبع قمت بإعطائها هذا المسمى غير الرسمي, نظراً لدلالاته المباشرة التي تنطبق على الظاهرة. لنتخيل معاً شخص ذهب إلى أحد البوفيهات المفتوحة, وكان هنالك أكثر من مائة صنف مما لذّ وطاب. سيقع الشخص الجائع فريسة للحيرة والجوع, نتيجة تعدد الخيارات المتاحة التي تشكل عائقاً في عملية اتخاذ القرار واستنفاد للوقت في التمحيص والتدقيق والتفكير. أيضاً إن قلة الخيارات المتاحة تسبب ذات المتلازمة -مع إغلاق البوفيه- إلا أن الشعور والانطباع النفسي الذي يعود على الشخص واحد. وفق الدراسات في هذا النطاق, تبين أن تأثير قلة الخيارات تماثل كثرة الخيارات وتعددها فالشخص سيشعر بالحيرة والتشتت في الحالتين.
في حين يطلق على هذه الظاهرة السيكولوجية -مفارقة الاختيار- التي شرحت بالتفصيل في كتاب يطلق عليه (كتاب القرار), حقاً إنه من أنفع وأجمل الكتب المتاحة على أرفف المكتبات. وجاء من أبرز الأمثلة التي ذكرت تحت هذه المتلازمة, تخيير عدد من الأشخاص -مجموعة الأولى للدراسة- بين عدة نكهات للمربى فلم يستطع أغلبهم تحديد المذاق المفضل بالنسبة لهم, في المقابل تمكنت المجموعة الثانية في الدراسة من تحديد النكهات المميزة والمفضلة نظراً لقلة الخيارات المتاحة.
ما يستفاد من هذه الظاهرة, أننا في أحيان كثيرة نحصر أنفسنا في خيارات محددة باختلاف الاعتبارات المتداخلة والتي تنعكس على عملية اتخاذ القرار, وفي أحيان أخرى نشتّت أنفسنا بتخيل ما قد يكون وبناء حاضرنا على مجموعة فرضيات غير محققة أو مثبتة.
(لنعش حاضرنا, ونقرر ونختار ما شئنا فالحياة فرص تأتي لتحيينا).