محمد آل الشيخ
الإنترنت أصبح اليوم الفضاء الذي من خلاله يتواصل الثوار والمتظاهرون وينسقون فيما بينهم، وحجبه عن بلد ما يعني حرمان المتظاهرين من أهم وسائلهم التكتيكية في مواجهة السلطات المناوئة لهم التي ثاروا عليها. حصل ذلك في الثورة العراقية في البداية، وفعلاً أربكت الثوار وشتت شملهم، غير أن الضغوط العالمية اضطرت السلطات العراقية الحاكمة إلى إعادتها من جديد.
الثورة الإيرانية والاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود كانت انتفاضات عارمة، اتسعت لتشمل كل التراب الإيراني تقريبًا، إلا أن الحكومة الإيرانية عندما أوقفت هذه الشبكة الإلكترونية كانت السبب الأول الذي استطاع من خلاله النظام استعادة السيطرة على الاحتجاجات، التي يدعي القادة الإيرانيون أنهم قضوا عليها تمامًا، بالرغم من أن هناك بعض الأخبار التي ما زالت تؤكد استمرارها في بعض المدن المتاخمة للحدود حتى كتابة هذا المقال كما يؤكد ذلك الناطقون الرسميون باسم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
إلا أن المشكلة العويصة التي ستعاني منها السلطات الحاكمة في دولة الملالي أنهم الآن أصبحوا في صراع مع التكنولوجيا، فنجاحهم في إلغاء الإنترنت من الفضاء الإيراني، لا يعني أنهم سيستمرون بحجب هذه الوسيلة التواصلية بين الجماهير إلى الأبد؛ فكل المؤشرات تؤكد أن شبكة الإنترنت ستتحول إلى شبكة فضائية، تعمل من خلال الأقمار الصناعية، الأمر الذي يلغي قدرة الدول في مراقبة المعلومة ومنع إعادة بثها فضائيًا، بالشكل الذي (يُحيّد) سلطات الدول ويلغي قدرتها على حجبها عن الشعوب، وحسب معلوماتي أن ذلك سيتم في المستقبل المنظور.
وغني عن القول إن نظام الملالي في إيران نظام قمعي بامتياز، همه الأول والأخير التوسع الجغرافي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإضافة مناطق جديدة لنشر نفوذه، ولا يهمه الشعب الإيراني ولا تنميته وتحسين معيشته، الأمر الآخر أن شعبيته الداخلية تتآكل بشكل ملحوظ، خاصة بعد زيادة تكاليف المعيشة، مما اضطر النظام إلى رفع أسعار الوقود التي تكاد تدخل في كل مجالات الإنتاج الحياتية بمختلف أنواعها. ومن جهة أخرى فإن المعارضة الإيرانية هي الآن في طور البحث عن (زعيم) يقود جموع المناوئين للنظام من الداخل بالشكل الذي يجعل هذه الاحتجاجات تؤدي وظائفها كما فعل قبل أربعة عقود الخميني عندما ثار على الشاه وتربع على عرش السلطة عام 1979.
لذلك فإنني متأكَّد أن وصول التكنولوجيا الإلكترونية الرقمية إلى البث الفضائي سيكون قطعًا أولى الخطوات لسقوط النظام ما لم يتكيف مع العصر، ويترك عنه العبث بأمن المنطقة.
الرهان الوحيد الذي بقي لدى نظام الملالي وهو أن يسقط الرئيس ترامب، ويأتي الديمقراطيون الذين يعول عليهم الإيرانيون آمالاً كبيرة في إنقاذهم من المأزق الاقتصادي الذي يخنقهم يومًا بعد الآخر، وفي حالة نجاح الرئيس ترامب في الانتخابات المقبلة فقل على نظام الملالي السلام.
إلى اللقاء