علي الصحن
كانت الساعة الثالثة، وكانت الشمس قد مالت جهة الغروب عن كبد السماء، والنسمات الباردة تقرص الوجوه بهدوء، تلك الوجوه التي تترقب بلهفة، وتلتف حول الشاشات والأجهزة الذكية، الأعين لم تكن لترمش أو ترف، والقلوب تدق، ثم كان الهلال في واحد من مواعيده يبزغ في السماء من أقصى الشرق، هلال الأرض يعلو القارة برمتها، ويتسيد أنديتها، وكالعادة لا يحطم أرقام الهلال قادراً إلا الهلال.
الثالثة في حسابات دوري الأبطال، والسابعة في حساب بطولات القارة، والتاسعة والخمسون في بنك الذهب، لم يكن للأرقام إلا أن تتصارع على الطاولة الزرقاء، ولم يكن غير الهلال قادراً على ترويضها وتطويعها، ثم الاحتفاء بها!!
الهلال يعود من الباب الكبير وينهي قصة الانتظار والبحث عن اللقب الآسيوي، لعب الهلال مراراً، وصل للنهائي مرتين سابقتين، وكانت الظروف والصافرة والحظ تقف في وجهه، والمنافسون سعداء بما يحدث له، يترقبون سقوطه، ويحتفلون بمن يظلمه، ويهللون لخسارته، دون أن يفكروا بأن يكونوا مثله، وأن يطالبوا أنديتهم بما يطالب به الهلاليون ناديهم، يبحث الهلاليون عن اللقب السابع، ويبحث غيره عن خسارته، وشتان بين طموح من يبحث عن الذهب، وبين من مع الغيرة والحسد والعجز قد ذهب!!
بطولة صعبة بكل تفاصيلها، لعب الفريق أدوارها التمهيدية وسط ضغوطات مختلفة، كان حينها ينافس على عدة جبهات، لكن نجومه كانوا في الموعد فحسموا الأمر وتأهلوا لثمن النهائي.
في الأدوار النهائية كانت المهمة أصعب، غير أن الطموح قادر على فعل كل شيء، وهو ما تحقق على حساب الأهلي ثم الاتحاد ثم السد، وفي مواجهة الأخير كانت هناك مواقف صعبة، ستظل محفورة في الذاكرة، وسيظل لـ(فاول الـ94) قصة تروى مع فريق دخل مواجهة سهلة صورها بعضهم بأنها محسومة، ليجد نفسه في لحظة لا تقبل التعويض مهدداً بالخروج، قبل أن تأتي الصافرة الأخيرة وتعيده لواقعة وتذكره بأن كرة القدم لا أمان فيها، وأن النهائي يحتاج لاستعداد مختلف.
في النهائي لم يكن الهلال بخبرته وثقله ليلدغ من جديد، فقد استرجع حكايات نهائيين سابقين، وتفاصيل لقاء نصف النهائي الصعب، ودرس خصمه، ومنحه ما يستحق من الاحترام، ثم أودع في شباكه ثلاثة أهداف مهراً للقب الثالث.
هذا هو الهلال.. حاضر في كل الفصول، بدر في كل الليالي، لهلال السماء أطوار مختلفة، ولهلال الأرض طور واحد، طور البطولة والذهب، لا يغيب الهلال إلا تحضيراً لشيء مختلف، ولا يخسر إلا من أجل أن يحصل على مصل الفوز الأهم، لا ينفك الهلال عن الألقاب، ولا يعرف تأجيل الفرح، وحتى في فرحه، لا يعرف الهلال إلا التخطيط للمستقبل، وكلما حقق الفريق شيئاً، طلب مدرجه أشياء جديدة، مدرج لا يكف عن التشجيع والمطالبة، وفريق لا يعرف إلا الإبداع وتقديم الجديد.
هذا هو الهلال يا من تتجاهلونه، ولا يمكن أن تجهلوه، استمتعوا به كما يستمتع غيركم، أما مناكفته ومحاولة التقليل منه، فلم تفد غيركم حتى تفيدكم.
وأخيراً:
«قلب بطرفك في السماء وحسنها
هل زانت الدنيا بغير هلالِ؟»