د. حمزة السالم
دراسة القانون لها مكانة اعتبارية خصوصاً في أمريكا.. ولذا فهم لا يدرسونه في مرحلة البكالوريوس لأنهم يرون أن الدارس يحتاج إلى عقلية ناضجة وراكزة نوعاً ما قبل البدء في دراسته. كما أنه لا يُقبل عادة في الجامعات الراقية من يقدم على دراسة القانون قبل أن يكون قد عمل بعض سنوات بعد تخرجه من البكالوريوس. فمن سرعة انخراطه في العمل ونوعه وإنجازاته تقيم لجنة القبول رأيها على شخصيته وعقليته. وبالإضافة إلى هذا فهو يحتاج لأن يجتاز اختباراً منطقياً ولغوياً شديد الصعوبة. وبالإضافة إلى هذا، فإن جميع شركات القانون والهيئات القانونية المحترمة في أمريكا، لا تعتبر في التوظيف إلا من خريجي أرقى أربع عشرة جامعة أمريكية - تسمى تي 14- أي أرقى 14، وذلك من بين 203 جامعة معتمدة في القانون من هيئة الاعتماد القانونية (وهي الهيئة المخولة باختبار المحامين لحصول رخصة المحاماة واعتماد الجامعات).
ما أتحدث عنه ليس شهادة الماجستير ولا الدكتوراه في فلسفة القانون أو علوم القانون، فكلا هذين البرنامجين لا يستلزم اختبار القبول الصعب، ولا يستلزم فترة عمل قبلها. وهيئة الاعتماد لا تكترث بهذه البرامج ولا تعتمدها، وتنفي اعتماد أي برنامج غير الـ«جي دي».
فكون الجامعة مُعتمدة في القانون فلا يعني هذا إلا اعتماد برنامج واحد فقط فيها وهو ما يسمى بالـ»جي دي» أي دكتوراه في فقه القانون، بخلاف الدكتوراه في فلسفة القانون (وهناك دكتوراه في علوم القانون). فالـ«جي دي» دكتوراه مهنية تعتني بالتطبيق، والأخرى تعتني بالتنظير وفلسفة القانون.
وأقرب الأمور لفهم دكتوراه فقه القانون (الجي دي) هي شهادة الزمالة في الطب، فكلاهما مهني تطبيقي. ودكتوراه فقه القانون (الجي دي) هي التي تحظى بكل هذا الاعتناء الذي ذكرته في مقدمة المقال، وبهذا البرنامج تأخذ الجامعات سمعة الاعتماد والشهرة في القانون، لا ببرامج دكتوراه الفلسفة أو دكتوراه علوم في القانون.
هذه الشهادة، تعتبر من أقوى وأشرف الشهادات في أمريكا على الإطلاق، والحاصلون عليها غالباً ما يتبوؤون أعظم المناصب والمراكز. فمن بين رؤساء أمريكا الأربعة والأربعين، أربعة عشر حاصلون على هذه الدكتوراه (الجي دي)، ومن آخرهم كلينتون وأوباما. وجميع أعضاء المحكمة العليا الفدرالية، يحملون فقط هذه الشهادة، ولا يحملون دكتوراه فلسفة القانون أو علومه. وكذلك الحال هو مع جميع قضاة أمريكا ومن يشغل منصب الادعاء العام في المحاكم الأمريكية وكذلك المحامين. فدكتوراه فقه القانون هي الشرط اللازم لممارسة أيّ عمل قانوني في أمريكا.
كما أن معظم الغالب من أساتذة القانون في أرقى الجامعات الأمريكية لا يحملون إلا هذه الشهادة الـ»جي دي» ولا يحملون دكتوراه الفلسفة في القانون ولا في علومه ولا أيّ دكتوراه أخرى. وإن كان هناك من حملة الدكتوراه في فلسفة القانون أو علومه، فهم يتولون تدريس ملحقات منهج القانون. وكذلك، فمن بين مديري أغنى وأقوى 500 شركة في أمريكا 51 (أي العُشر) من المديرين التنفيذيين هم ممن حصل على شهادة دكتوراه فقه القانون الـ»جي دي».
فلماذا إذاً تدرس الجامعات الأمريكية برامج الماجستير والدكتوراه في القانون، إذا لم يكن لها قيمة في أمريكا؟.. والجواب هو: «اتباعاً للعرف الأكاديمي». لتحسين وضع من حصل على «جدي دي» من غير جامعات T14 للأجانب، الذين يجلبون أموالاً للجامعة وتسعد بهم بلادهم بأنهم تخرجوا بشهادة القانون من جامعات عريقة (وهذا المعنى شبه منصوص عليه في موقع هارفرد ويل). ولذا فترى الأجانب يغلبون على هذه البرامج لعدم تشددها في القبول وعدم اشتراطها لاختبارات القبول الصعبة.
وعموماً، فلكل بلد طريقته ولكل ثقافة خصوصيات، وإن كان الانفتاح العالمي يستلزم معرفة ما عند الآخرين ودراسته دراسة نقدية تحليلية لا دراسة تبعية وقبول مجرد.