د. خيرية السقاف
في البسمة أسرار مدهشة..
حتى الجوف يبتسم وإن لا تُرى شفتاه،
وحتى العقل يبتسم، وإن لم نتفكر فيه..
وحتى القلب يبتسم، ولعلها نشوة مشاعرنا..
البسمة بهجة، وسِمات البهجة؛ ملامحها، وصوتها وإن لا يُسمعُ..
بلى، للبهجة صوت، في البسمة وقعه،
ولها سماتها، في الملامح تفاصيلها..
فتلمَّس خفقات قلبك أيها الإنسان وهي تدب تحت ضلوعك حين تكون مبتهجا..
تلك ليست فقط بهجتك الخفية، بل بسمتك في ملامح عينيك تلمعان طربا،
وفي إشراقة وجهك تتراقص مسرة،
وفي كل جزء فيك يبتسم، تركض فرِحا، تضم حنانا، تقبِّل سعادة..
وتعلم أنك تبتسم، فكل شيء فيك مبتهجٌ...
عند محطة الاستقبال، وعند بشرى الوليد، وعند خبر النجاح، وعند مكسب الكفاح،
وعند صدق الرفيق، وعند وفاء الصديق، وعند الإياب للأحبة، وعند اللقاء بالقريب، وعند بلوغ المرام، وعند نزول السرور، وعند رحيل الأحزان ....
في كل حالة فرح، ولحظة مرح، وموقف نجاح، ونتيجة فلاح، ومحطة نجاة..
عند الشفاء، والوفاء، واللقاء، ولمة الشمل، وشم العبير، ومسِّ المطر، وهمس الطمأنينة..
عند بشرى الخبر، ومناخات السفر، ووقع الجميل من الأثر؛ تبتهج، تبتسم..
والبسمة مدهشةٌ في تفاصيلها؛
منابتها، وكمونها، منازلها، وخفاياها، محرضاتها، وبواعثها، إلهاماتها وبواعثها..
أسرارها كدقيق يبث ذراته في نسيج حنطة الذاوت البشرية حين لا تكون الشفتان وحدهما الرسمة الوحيدة لها في الوجوه..
وحيث لا يكون الصوت الوحيد لها ضحكة تتجسد، ولا السِّمة الوحيدة لها ملامح تظهر! ...
لكن، أيدهشك أن تكون قناعاً لغير بهجة؟!،
أو غطاءً لجرح، أو حاجزاً عن ترح، أو فضاءً لخذلان؟!.....
مدهشة هذه البسمة حين تتكلم بصمت لا يقواه غيرها...
ولا يسمعه إلا المتعمقون فيها،
ولا يقرأ ذراته إلا المبحرون في تفاصيل نسيجها!.