د.شريف بن محمد الأتربي
ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله كلمة افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، والتي تضمنت العديد من الرسائل الموجهة سواء السياسة الداخلية أو الخارجية للدولة، وأبرز المستجدات والتطورات، وأهم المكتسبات التنموية.
وفي هذا الخطاب تم التأكيد على أن نهج المملكة قائم منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله على تطبيق شرع الله والالتزام بالعقيدة الإسلامية، وعلى أسس الوحدة والتضامن والشورى.
وفي رسالة لكافة الوزارات والهيئات المعنية أكد حفظه الله على الجميع بأن رؤية 2030 هي تجسيد لأهمية المملكة من ناحية الموقع والمكانة الرائدة للمملكة على كافة المستويات، وأنها ترتكز على تعزيز النمو الاقتصادي واستدامته في المجالات كافة، وتنمية قطاعات اقتصادية جديدة إضافة إلى تطوير ودعم قدرات أبناء الوطن من خلال رفع مستوى جودة التعليم، وزيادة برامج التدريب والتأهيل، وتوفير المزيد من فرص العمل للحاضر والمستقبل في شتى الميادين التنموية والاقتصادية. كما أنها تستند في ذلك على سواعد أبنائها وقدراتهم الكبيرة في دعم تحقيق المملكة لتطلعاتها المشروعة.
وعلى الصعيد الإسلامي أكد الخطاب على دور المملكة في تسهيل أداء المسلمين لمناسكهم في الحج والعمرة وكذلك في زيارة المدينة المنورة والمناطق الأخرى من خلال برنامج خدمة ضيوف الرحمن لإتاحة الفرصة أكبر عدد من المسلمين لأداء مناسك الحج والعمرة، كما تم إعادة هيكلة تأشيرات الزيارة والحج وإلغاء رسوم تكرار العمرة.
وعلى الصعيد العربي والإسلامي أيضا أعاد خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله التأكيد على موقف المملكة الراسخ في القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأنها قضية العرب والمسلمين الأولى. وموقف المملكة من القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى موقف مبدئي منذ عهد المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله من خلال إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يُمكن الشعب الفلسطيني ويحقق له دولته المستقلة.
كما أكد يحفظه الله على قدرة المملكة حكومة وشعبا وجيشا في الدفاع عن أراضيها ضد الهجمات الغاشمة من جماعة الحوثيين ومن يدعمهم والتي استهدفت المملكة بمئات الصواريخ؛ وعليه فقد قامت المملكة برفع الجاهزية العسكرية لقواتها المسلحة والتوسع في برنامج توطين الصناعات العسكرية وتقنياتها بهدف التطوير المحلي والمستدام لتلك الصناعات، ورفع كفاءة الإنفاق، وفتح باب الاستثمار في هذا القطاع.
كما عرض يحفظه الله لما تقوم به الدولة من أعمال لتحقيق الرفاهية للمواطن سواء من خلال العمل على تقليل نسب البطالة بين المواطنين، وزيادة نسبة مشاركة المرأة في مجالات العمل المختلفة، وأيضا تنمية أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال، وإطلاق عدد من البرامج السكنية عبر توفير الحلول التمويلية والادخارية الملائمة لتيسير وزيادة نسب تملك المساكن بين المواطنين، وتوفير الخدمات الطبية والرعاية الصحية. كما عملت الدولة على دعم قطاع الاتصالات، وتطوير الخدمات القضائية، والخدمات البلدية، والتعليم الجامعي والتنمية الريفية.
وعلى الجانب الاقتصادي سواء النفطي أو ما يتعلق بدعم القطاع الخاص للمشاركة في البرامج التنموية للدولة أبان يحفظه الله أن البيانات قد أظهرت ارتفاع معدلات الإيرادات غير النفطية بنحو 15 %، وأن تدعم القطاع الخاص للتغلب على التحديات التي تواجهه حتى تكون مساهمته فاعلة بشكل أكبر في الاقتصاد الوطني، وعليه فقد قامت المملكة بسن العديد من الأنظمة ووضع القرارات الممكنة له، كان من نتائج ذلك أن المملكة قد صنفت مؤخراً من أكثر الدول تقدماً والأولى إصلاحاً من بين (190) دولة حول العالم.
وفي جانب حرص من المملكة على توفير بيئة جاذبة للعمل فقد تم تطوير وتحسين البنى التحتية التشريعية والتقنية والتركيز على تحقيق التحول الرقمي من خلال بناء منظومة حكومية فعالة للتعاملات الإلكترونية، واقتصاد رقمي مزدهر يعزز من إسهام المملكة التقني عالمياً.
وفي إطار دفع عجلة التقدم العلمي وفتح آفاق معرفية واقتصادية جديدة لأبناء الوطن فقد تم إنشاء الهيئة السعودية للفضاء والتي ستكون منصة للانطلاق في علوم متعددة مثل الاتصالات والملاحة والبث الإعلامي ورصد التغيرات المناخية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية بالإضافة إلى تطوير جملة من التطبيقات وتعزيز البحث العلمي بما من شأنه أن يعود بنفع كبير للوطن والمواطن.
كما كان للجانب السياحي جزءا كبير من اهتمام الدولة حيث قامت بفتح قطاع السياحة وبدأت العمل في إصدار التأشيرة السياحية بأنواعها المختلفة تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030 ، وكأحد محفزات النمو الاقتصادي لجذب وتنويع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد الذي يوفر فرصاً وظيفية كبيرة لأبناء الوطن، وجسراً ثقافياً للتواصل مع العالم ليشاركنا تراثنا الغني وكنوزنا الحضارية.
كما شدد يحفظه الله على اهتمام الدولة بتطوير منظومة الحماية الاجتماعية، ورفع كفاءتها مع التركيز والاهتمام البالغين بالفئات الأشد حاجة، وتقديم الدعم والرعاية المتكاملين لجميع فئات المجتمع، وبناء منظومة متكاملة وموحدة من الخدمات المجتمعية التي تتفهم خصائص الأسر واحتياجاتهم الحالية والمستقبلية وفقاً لما ورد في رؤية 2030 من مستهدفات لتعزيز الرعاية الاجتماعية وتطويرها.
وعلى صعيد مسؤوليات واهتمامات المملكة عالميا وعربيا وانطلاقا من دورها البناء خاصة في مجال الاستقرار العالمي في مجال الطاقة فإن سياسة المملكة البترولية هدفت إلى استقرار أسواق البترول العالمية بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، كما سعت المملكة إلى أمن وموثوقية الإمدادات بشكل يعتمد عليه، وقد تجلى ذلك - بشكل استثنائي - بعد الاعتداء الآثم على المنشآت البترولية التابعة لشركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص والذي استخدمت فيه الأسلحة الإيرانية، والإنجاز الذي حققته الشركة -ولله الحمد- باستعادة طاقتها الإنتاجية في هذه المنشآت خلال وقت قياسي بتوفيق من الله ثم بسواعد أبنائنا، وهو ما أثبت للعالم أجمع قدرة المملكة على تلبية الطلب العالمي عند حدوث أي نقص في الإمدادات ودورها الرائد في ضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة العالمية وكفاءة شركاتها وسواعدها الوطنية العاملة في هذا القطاع.
وفي السياق ذاته قال يحفظه الله إن إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام قد جاء تأكيدا على متانة وقوة اقتصادها. وهذا الطرح سيتيح للمستثمرين داخل المملكة وخارجها المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم مما يؤدي إلى جلب الاستثمارات وخلق آلاف الوظائف، كما سيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية لتكون في مصاف الأسواق العالمية.
وفي الشأن اليمني، تواصل المملكة جهودها المشرفة في نصرة الشعب اليمني العزيز، كما تواصل المملكة دعمها لجهود المبعوث الأممي للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. والتأكيد على ثبات موقف المملكة في نصرة دولة اليمن وحكومته الشرعية؛ سارعت المملكة لحل الخلاف بين الأشقاء من خلال توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وأيضا تم دعوة المجتمع الدولي إلى القيام بدوره بوضع حد لبرنامج النظام الإيراني النووي والبالستي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالوقف الفوري للتدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وفي الشأن السوري فإن المملكة تواصل تأكيدها على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للحفاظ على سوريا وطناً أمناً وموحداً لجميع السوريين.
واختتم حفظه الله خطابه برسائل للخارج تؤكد أن المملكة لم ولن تكون أبدا داعمة للإرهاب كما حاول الكثيرون الترويج لذلك وإلصاق تهم الإرهاب ورعاية الإرهابين لها فقد نجحت في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تم مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل والأدوات ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي، كما تتواصل جهود المملكة ضمن تضامن دولي لمحاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين في كل مكان.
كما تواصل المملكة بناء الشراكات الاستراتيجية وتعزيز التعاون الثنائي مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وستعمل مع شركائها من الدول الشقيقة والصديقة على إتاحة وتنمية فرص التبادل الاقتصادي والتجاري العادل وتجسد ذلك في رئاسة المملكة لمجموعة العشرين خلال العام القادم.
إن القارئ المتفحص لهذا الخطاب عليه أن يدرك تماما أن المملكة العربية السعودية ومنذ عهد المؤسس رحمه الله رتبت أولوياتها على استقلالية القرار وعدم التدخل في شؤون الآخرين والاهتمام بالمواطن والذي يأتي في أولى الاهتمامات والعمل على توفير حياة كريمة له وتقديم كافة الخدمات التي تضارع وربما تفوق ما يقدم في دول خارجية، وأيضا توفير الأمن الذي ينشده الجميع وقد رأينا خلال الفترة الماضية كم من الحوادث التي استطاعت أجهزة وزارة الداخلية من إلقاء القبض على مرتكبيها في أزمنة قياسية. ولعل موسم الرياض وفعاليته هو خير تجسيد لما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين على المستوى الداخلي ورغبة الدولة في توفير وتطوير كافة مرافقها ووزارتها لتحقيق رفاهية المواطن.
حفظكم الله مولاي وأدام عليكم نعمه وحفظ سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائد النهضة والتغيير ومجسد النظرة المستقبلية للمملكة 2030 وحفظ بلادنا بلاد الحرمين الشريفين وأدام عليها كافة النعم.