م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. منذ أن أثار (ديكارت) علاقة الفكر بالبدن في القرن السابع عشر والعالم في جدل عن حدود تلك العلاقة ومقدار تأثيرها.. فحينما يخجل الإنسان تحمر وجنتاه.. وحينما ينفعل ترتعش يداه.. وحينما يفرح يشعر برغبة في القفز والرقص.. وحينما يحزن يبكي.. وحينما يدهش يضحك.. وهكذا.. والسؤال الآن هو: كيف يؤثِّر كل من البدن والفكر في الآخر.. على الرغم من أن الأول شيء مادي فيزيائي ذو حجم ووزن وكثافة.. بينما الآخر شيء معنوي غير ملموس؟
2. من الثابت أن الإنسان يمكن أن يتوهم المرض فيمرض.. وكذلك الحال في الذي يعتقد اعتقاداً جازماً أن النار لا تؤذيه فيمشي على الجمر.. أو يتحمَّل حرارة الشمس ساعات طوالاً.. أو يغوص تحت الماء مدة أطول بكثير مما يتحمَّله الإنسان العادي.. وهو بعض ما يفعله الحواة والبوذيون والمتصوِّفة.. وهذه الحالة لا يمكن أن يصل إليها سوى الأشخاص الذين يملكون إيماناً جازماً خالياً من الشكوك في أن الذي يفعلونه لن يضرهم.. وهذا أمر ليس بالهين.
3. لا يكفي أن تنوي أو ترغب في أن تصل إلى اليقين المطلق حتى يصبح جزءاً من عقلك الباطن.. فهذا لا يتحقق إلا بالإيمان العميق والمراس الطويل.. فالعقيدة التي لا تبرح العقل الواعي ولا تصل إلى العقل الباطن لا يمكن أن تصل بصاحبها حد اليقين.. واليقين المقصود هنا هو قوة اليقين لا صحة اليقين.
4. المدنية والعلم يعزِّزان من قوة العقل الواعي لكنهما يضعفان العقل الباطن.. وبقدر ما للمدنية والعلم من فضل على تطور الإنسان ونموه إلا أنهما يُفْقِدانه القوة الروحية.. فالعقول التي ما زالت تعيش على الفطرة ولم تؤثِّر فيها المدنية ولم تعرف العلم تكون أقدر على الإيمان اليقيني.. وهذا يرفع من قوة العقل الباطن الذي بدوره يؤثِّر على مناعة الأشخاص الجسدية.. وبالتالي يرفع من مقاومة الجسد للأمراض.. فالذي يؤمن بقدرة طبيبه على علاجه سوف يكون أقرب إلى الشفاء.. القدرة النفسية لها أثر فعَّال في الاتجاهين السلبي والإيجابي.. الإنسان المتمدن أقدر على التحكم بالمادة.. لكنه مقابل ذلك أضعف في التحكم بالروح.