د. محمد عبدالله الخازم
أتابع من بعيد برنامج الترفيه الضخم الذي تعيشه العاصمة الرياض، وعطفاً على ذلك، أشيد بالجهد العملي الضخم في إنجازه بهذا الشكل، رغم قصر فترة التحضير والتجهيز. لست هنا لأكتب عن الترفيه وتفاصيله، فالجمهور والإقبال والأرقام هي الفيصل والشاهد على استقبال الناس وحاجتهم للبرامج الترفيهية المتنوِّعة.
لكنني أطرح ملاحظات في كيفية تطوير فلسفة الترفيه لتكون وسيلة أو أداة تساعد في خدمة أهداف اجتماعية واقتصادية أخرى.
لنبدأ بالجانب الاجتماعي؛ ضمن أهداف الرؤية صناعة شباب منتج يتحمَّل المسؤولية ومن أكبر مساوئ النظام الاجتماعي لدينا اختلال الساعة البيولوجية، بعدم تنظيم أوقات العمل والنوم والحياة الاجتماعية للناس، ويصعب أمام هذه الفوضى المتعلِّقة بتنظيم الوقت في حياتنا أن نرتقي بالإنتاجية للطالب والموظف وغيرهما.
لذلك أجدني أعتب على مهرجان الرياض في عدم ضبطه للأوقات بشكل يخدم العملية الإنتاجية والطلابية، حيث إن العديد من برامجه تبدأ في وقت متأخر وتستمر طيلة الليل، مما يشجِّع الطلاب و الشباب والحضور على السهر وخصوصاً أن الفعاليات تكون في وقت قصير وكثيرون يحرصون عليها.
أعتقد أن الفعاليات في النهار وحتى وقت معقول من الليل لا يتجاوز التاسعة أو العاشرة مثلاً سيكون أمراً مفيداً ومساعداً على هندسة الوقت الاجتماعي للناس، بل إنني شخصياً لا أتفق مع من يطالب بفتح المولات والمحلات الكبرى طيلة أربع وعشرين ساعة.
لكي نكون مجتمعاً منتجاً نحتاج لهندسة حياتنا الاجتماعية بشكل أفضل، وتعويد الأجيال القادمة عادات تنظيم أوقاتهم وانضباطية إنتاجيتهم.
الجانب التنظيمي؛ بالتأكيد هيئة الترفيه بذلت وتبذل جهداً كبيراً في هذا الإنجاز ولكن لأجل تطوير التجربة واستقرارها بوجود عرّابها معالي أ. تركي آل الشيخ في المكان، ربما نحتاج النظر في موضوع حوكمة المهرجان تنظيمياً، كأن نؤسسه كبرنامج تنفيذي مستقل له مجلس إدارة تمثِّل فيه هيئة الترفيه والجهات ذات العلاقة كإمارة الرياض، وزارات المالية والثقافة والداخلية، أمانة الرياض، غرفة الرياض، هيئات الرياضة والسياحة وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
الأهداف هنا؛ أولاً، لمنحه القوة والاستقلالية الإدارية والمالية، وثانياً، لغرض التنسيق الدائم مع الجهات ذات العلاقة وثالثاً، لقياس المدخلات والمخرجات بشفافية وإيجاد آليات متابعة ومراقبة لها. طبعاً؛ ليس هناك إقلال من الجهد القائم، لكنها الحاجة إلى بناء منظومة تحمل الفكر الإداري الحديث القادر على منحها الاستدامة المنتظمة.
أخيراً ربما هناك حاجة لإعداد أجندة زمنية، تمتد لخمس سنوات مثلاً، واضحة لفعاليات الرياض الكبرى والمملكة بصفة عامة. على سبيل المثال الرياض لديها إضافة إلى مهرجان الترفيه، الجنادرية ومعرض الكتاب ومتاحف ومعارض وفعاليات أخرى، وصدور أجندة منظمة وشاملة يساعد على النجاح، حتى نتجنب ضغط وتعدد الفعاليات وتنافسها أو تضاربها في وقت قصير، ولكي يسهم ذلك في تنظيم الأعمال المتعلِّقة كأعمال الفنادق والنقل وإشغالها ... إلخ. سيكون جميلاً وجود قرية شعبية (الجنادرية) ومهرجان ثقافي (معرض الكتاب) ضمن موسم الرياض الفخم.
تحيه للجهود المبذولة في موسم الرياض بقيادة العرّاب معالي الأستاذ تركي آل الشيخ. الترفيه هدف وفكرة جميلة ويكون أجمل عندما يخدم أهدافاً تنموية واجتماعية أخرى وعندما يتسق في تنظيمه مع بقية مواسم وفعاليات ونشاطات العاصمة والمملكة.