عبدالوهاب الفايز
بعد الإنجازات التي حققناها على عدة مستويات في السنوات الماضية، هل نحتاج فترة تأمل لمراجعة برامج (رؤية المملكة 2030)، ومبادراتها ومشروعاتها حتى نحدد أولوياتها في المرحلة المقبلة. لماذا نحتاج هذه الوقفة؟ ثمة مخاوف تتجمع من أزمة مالية عالمية قادمة ستكون آثارها سلبية على مجمل النشاط الاقتصادي العالمي، وهذه ستؤثر على معدلات الطلب على الموارد الأساسية، في مقدمتها النفط، وهذا يعني تراجع في الأسعار وبالتالي انخفاض إيرادات الدول المصدرة.
هذا السيناريو نتمنى ألا يكون صحيحًا، ولكن الأفضل من التمني هو الاحتياط والحذر، والاستعداد لكل الاحتمالات، بالذات الاحتمال الأسوأ.
في السنوات الماضية دخلنا في سباق مع الزمن ومع الذات لأجل إنجاز أمور مهمة ضرورية ملحة، مثل إعادة هيكلة القطاع العام، وتطوير الخدمات الرقمية في الكثير من الأجهزة الحكومية، مما سهل على الناس أمور حياتهم، وكان هذا التطوير الرقمي ضروريًا ومكملاً لمشروع تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد.
كما أنجزنا في جبهة مهمة وهي: تحجيم القوى المقاومة للتطوير وللتغيير.
أيضًا خطونا باتجاه رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتوجيهه إلى الأمور الحيوية للناس وللاستقرار الاجتماعي.
أيضًا، ولكي نحمي بلادنا، سارعنا إلى المساهمة في الجهد الدولي للتصدي للمشروعات الإقليمية التخريبية المهددة للأمن الوطني، وعلى رأسها مشروع ولاية الفقيه.
كذلك دخلنا بقوة مع التجمعات العالمية الحيوية مثل مجموعة العشرين G20، والآن نحن نستعد لاستضافة الحدث الكبير.
رصيد الإنجازات الذي بين أيدينا، والاحتمالات والتطورات في الاقتصاد والسياسة، كل هذه ربما تكون سببًا وجيهًا لكي نقف ونراجع زخم المبادرات وحجم المشروعات التي وضعناها في جدول أعمالنا الوطني.
كثرة المبادرات يخشى أن تفقد الوزارات والهيئات (القدرة على التركيز)، وكذلك قد تشتت جهود القيادات وتربك أولوياتهم، وبسبب الإنهاك الجسدي وقلة النوم ربما تؤثر في قدرتهم للابتكار والإبداع في الأفكار والحلول.
إضافة إلى الواجبات التشغيلية اليومية، كيف تستطيع وزارة تنفيذ أكثر من 200 مبادرة؟ كيف تضع الأولويات لها، وكيف تعد القدرات البشرية لإطلاقها، ومتابعة تنفيذها، والتحقق من وصول مستهدفاتها؟ كثرة المبادرات والاستعجال في تنفيذها فتحت المجال للشركات الاستشارية لكي تفرض حضورها في واقع القطاع العام وأصبحت إحدى ضرورات عمله.
وفي ظل قلة خبرة هذه الشركات بواقعنا وقلة الوقت المتاح للدراسة والتخطيط، ونظرًا لعدم توفر الخبرات المتخصصة أو لضعفها الإداري والقيادي، ربما تأتي المخرجات من هذه الشركات دون طموحاتنا وتطلعاتنا ومربكة لاحتياجاتنا.
هذا الوضع نتيجته خسارة مادية ومعرفية، فالمادية تكمن في ضياع العائد الاستثماري من الأموال الكبيرة التي يتم دفعها للشركات الاستشارية.
والفاقد المعرفي نجده في عدم نقل المعرفة إلى الموارد البشرية لتعزيز قدراتها الذاتية، خصوصًا أننا نتطلع إلى إنجازات حيوية وكبيرة لمجتمعنا واقتصادنا.
حتى نحقق ما نتطلع إليه، ربما الأفضل لنا أن نعيد ترتيب أولويات برامج تحقيق الرؤية ومبادراتها، بحيث نركز على المبادرات الرئيسة، التي تستهدف تحقيق أمور أساسية مثل: التركيز على بناء المهارات والبنية الذهنية الاجتماعية والفردية التي تعرف كيف تعظم الاستفادة من الموارد المتاحة، وهنا يأتي في الأولويات لتحقيق هذا الاهتمام بالتعليم.
أيضًا تحتاج التركيز على رفع كفاءة أداء الجهاز الحكومي، و(تحسين تجربة العميل)، وتنمية وتسهيل فرص العمل والتجارة، وتسهيل تملك المساكن، وتعظيم القيم والأخلاقيات في المجتمع، وتقوية مؤسسات القضاء والأمن، وتعزيز القدرات العسكرية الدفاعية لبلادنا، وتكريس الهوية الإسلامية العربية لبلادنا.
ربما تكون هناك أولويات أخرى أهم، ولا أعتقد أن لدينا إشكالية في تحديد الأولويات لبلادنا.
ثمة مكتسبات بأيدينا، وهناك إنجازات نحققها كل يوم، ولتعظيم المكاسب والبناء عليها، ربما نحتاج فترة مراجعة حتى نطمئن على سلامة توجه برامجنا ومبادراتنا، فتحدياتنا وتطلعاتنا والمخاطر المحيطة بنا تستحق الوقفة الجادة.
نحن نخشى (القتلة الصامتين) للإستراتيجيات التي تحدث عنها (مايكل بير) قبل عقدين من الزمن ومنها الأولويات المتضاربة والتنسيق الضعيف!