د. عيد بن مسعود الجهني
يسجل التاريخ النفطي الدولي أن شركة أرامكو السعودية (عملاق النفط العالمي) بعد أن أصبحت مملوكة للدولة أنها بدأت تتوسع في أدائها وزاد نموها، هذه الشركة العملاقة، فصْلها عن وزارة البترول والثروة المعدنية التي أصبح مسماها وزارة الطاقة لن يؤثر على أدائها، ستبقى الشركة الرائدة في عالم صناعة النفط، وإعادة هيكلتها من وجهة علمية طبقا لمفهوم الإدارة الحديثة سيتم ضمن عملية مدروسة لتحقيق زيادة رفع كفاءة الأداء وإزالة القيود التي تعيق المرونة وتحد من زيادة الإنتاجية، وستبقى أبواب التعامل بين الوزارة والشركة مفتوحة فكلا الجهتين تسيران في خط واحد صناعة النفط ومنها إنتاجه وتصديره وتكريره وأسعاره ..إلخ.
نعتقد جازمين أن القرارات الهامة التي كانت قد صدرت بهذا الشأن والتي جاءت قبل طرح الأسهم للاكتتاب تصب في مصلحة (قوتها) فمن شأنها تزويدها بدفعة جديدة من المرونة في اتخاذ القرارات البترولية على أسس تجارية بحتة، والحفاظ على استقرار الصادرات السعودية النفطية عند مستواها المستهدف بل ودفع عجلة زيادتها وزيادة الاحتياطي النفطي السعودي، لتبقى الثروة تحت الثرى للأجيال القادمة، والتوسع في مجالات النفط والغاز الطبيعي عن طريق التنقيب والاستكشاف والإنتاج والتكرير والتوزيع والشحن والتسويق، وتعد في علم النفط والاقتصاد والمال والاستثمار نقلة حقيقية لعملية الطرح.
وإعادة الهيكلة لشركة عالمية كأرامكو السعودية تعني فيما تعني دفع عجلة الإدارة التي تتميز بطابع التفكير والبحث والمبادرة والابتكار والإبداع والعمل الجماعي والمتابعة والرقابة والتقويم والمساءلة، وإزالة المعوقات - إن وجدت - وكل أشكال التعقيدات والتداخل والتشابك في الاختصاصات التي تعوق انسيابية العمل بما يحقق الكفاءة القصوى في الأداء.
ومن يعرف تاريخ أرامكو السعودية ومراحل تطورها عبر أكثر من ثمانية عقود يدرك أن عجلة التطوير وإعادة الهيكلة لعملاق النفط العالمي لن تكون عملية معقدة فجسم أرامكو (قوي) كالفولاذ حافل بالإنجازات العديدة في ميدان صناعة النفط.. وهذا النجاح لم يتحقق بين عشية وضحاها ولم يأت من فراغ إنما مهندسه العنصر البشري الخلاق قاده منسوبو عالم أرامكو من الجنسين من السعوديين متظافرين مع المتخصصين من جنسيات أخرى متعددة، جاؤوا من كل حدب وصوب لينضموا إلى قافلة الشركة.
وبهذا التكامل والانضباط في الأداء الذي تتمتع به أرامكو وموظفوها فإنها تعتبر نموذجاً فريداً في كفاءة الأداء مطبقة دور الزمن في الإدارة الحديثة.. فالزمن نصف الإدارة فما من عمل يؤدى إلا كان الزمن بجانبه، وما من مخلوق حي لا يؤدي عملا ضمن زمن.
وقد وضعت أرامكو السعودية لنفسها أهدافا إستراتيجية تتمثل في تعزيز المكانة المتميزة للشركة كأكبر منتج للنفط الخام في العالم من حيث حجم الإنتاج، تحقيق القيمة عبر التكامل الإستراتيجي، توسيع أنشطة الغاز الطبيعي، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف حددت الشركة أربعة من عوامل التمكين الإستراتيجية هي المحافظة على الانضباط الرأسمالي وحسن التدبير المالي وإدارة المخاطر، تحقيق قصب السبق والريادة في تطوير التقنيات والابتكار، بلوغ مرتبة جهة العمل المفضلة، تعزيز الاستدامة والمواطنة وبناء قطاع طاقة محلي قوي، (أرامكو السعودية - التقرير السنوي 2017).
وللشركة على الصعيد المالي حضور لافت وقوي في أسواق الطاقة الرئيسية الثلاث في العالم وهي آسيا وأمريكا وأوربا، كما أن شبكة الأبحاث العالمية التي تملكها والتي تتضمن مكاتب في هذه المناطق الإستراتيجية نفسها، تواصل تكريس جهودها للتعامل مع التحديات التي يواجهها قطاع الطاقة على الصعيد العالمي وذلك من خلال العمل الدؤوب لإيجاد الحلول التقنية لهذه التحديات.
أرامكو التي تعد من بين عشر شركات نفط دولية من حيث الاحتياطي الضخم من النفط الذي تسيطر عليه توضح التقارير الصادرة عن الشركة أنها اكتشفت عام 2017 حقلي نفط جديدين وواصلت تحقيق التقدم وفق الجدول الموضوع لزيادة الطاقة الإنتاجية لحقل خريص بواقع 300 ألف برميل في اليوم في عام 2018 وفي قطاع الغاز جهزت الشركة حقل الغاز غير المصاحب في مدين، ودشنت مجموعة من المشاريع لزيادة طاقة الإنتاج والمعالجة، وبدأت في إنتاج الغاز غير التقليدي لأول مرة في تاريخ المملكة وتنسجم جهود الشركة في مجال تعزيز إمدادات الغاز مع هدفها الرئيس في مجال التنقيب والإنتاج وهو زيادة صادرات السوائل عالية القيمة في الحين نفسه.
وهذه المشاريع التي تمثل المشاركة في العمليات اللاحقة لمرحلة الإنتاج وضمان منافذ آمنة لبيع النفط السعودي تؤمن للسعودية الوصول إلى الأسواق على المدى الطويل والاندماج في مثل هذه العمليات اللاحقة يوفر فرصة تتم من خلال تقريب أسواق الدول المستهلكة من مصدر إنتاج بعيد جغرافيا كالمملكة.
هذه الخطوات الهامة التي خطتها أرامكو السعودية دعمت مكانتها في السوق الدولية للنفط واقتحمت صناعة التكرير في الدول التي وضعت فيها موطئ قدم ومكنت أرامكو من تلبية حاجات الأسواق البترولية في وقت معقول إضافة إلى فتح أسواق جديدة للنفط السعودي مما يؤدي في النهاية إلى دعم الاقتصاد السعودي في مجمله، ولا شك أن التكرير وصناعة البتروكيماويات والصناعات المكملة التي تسبقها وتتبعها عامل هام جدا يجعل الدولة تزيد عائداتها من كل برميل تنتجه، ومن يتابع تطور مسيرة سفينة النفط العالمية (أرامكو) ومن يدقق بحصافة في رؤية 2020 - 2030 التي من ضمن أهدافها الرئيسة تنويع مصادر الدخل وتطوير أداء جهات الدولة يدرك أن الدولة كانت تخطط لطرح أسهم أرامكو، وقد جاء اليوم ليشهد سوق المال السعودية طرح بعض من أسهم أكبر شركة نفطية لتسجل قيمتها أكبر صفقة عرفتها سوق المال والاستثمار المحلية والإقليمية والدولية في التاريخ، رغم أن العالم الصناعي الذي يمثل أكبر الاقتصادات في النظام الرأسمالي يسيطر على شركات كبرى تسيّر حركة الاقتصاد العالمي، إلا أنه ليس هناك شركة أو شركات مجتمعة تمثل قيمتها الرأسمالية قيمة أرامكو السعودية.
وبذا تصبح أسهمها غالية مضمونة في الحاضر والمستقبل (والمستقبل بيد الله) هذا لأن قيمة الشركة معروفة ومجلس إدارتها ورئيسها ومدرائها التنفيذيين ونوابه كذلك بل إن أرباحها على مدى عمرها المديد كانت من أحسن إلى أحسن، ناهيك أن الدولة اعتبرت طرح جزء من أرامكو (بالاكتتاب) نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية، وهي صاحبة الرقابة والتنفيذ على الشركة التي تعد في علم النفط سيدة شركاته بدون منازع.
وسيبقى لها هذا السبق تفوز بجميع السباقات النفطية بل أنها العمود الفقري لاستقرار سوق النفط الدولية.
وإذا كانت أهم مبادئ الاستثمار في الأسهم وغيرها، المحافظة على رأس المال، تحقيق ربح عادل، البعد عن المخاطر فإن أسهم أرامكو تحقق ذلك للمساهم بأسهمها وهذا نابع من قوة الشركة ومكانتها الاقتصادية والمالية والاستثمارية لذا ضمنت الشركة لمساهميها نسبة محددة من الربح مسبقا.
أرامكو ولدت لتبقى
صاحبة قوة ونفوذ في سوق النفط الدولية.
بوصلة توجه إنتاج وأسعار واستهلاك النفط
وستبقى أسهمها صاحبة القدح المعلى في سوق الأسهم المحلية والدولية.
ستبقى أسهمها عملة نادرة يحرص الكثيرون على الفوز بها.
والله ولي التوفيق،،،