سمر المقرن
في مجتمعنا، لماذا تغيب ثقافة الادخار في كهوف المبذِّرين؟ بل إن اليوم العالمي بدون شراء في شهر نوفمبر؛ وتحديداً يوم 23 وهو يوم عالمي للاحتجاج على النزعة الاستهلاكية للمواطنين حول العالم، يمتنع فيه الكثيرون عن الشراء تحدياً لما يطلقون عليه الجمعة السوداء التي تغيَّر لونها إلى «بيضاء» لدينا، حيث يتسابق إليها الكثيرون لشراء ما يلزمهم وأحياناً ما لا يلزمهم، مرَّ هذا اليوم مرور الكرام، لم تتم الإشارة إليه لا في وسائل الإعلام المحلية ولا العربية، بل إن المحتوى العربي عندما حاولت البحث لم أجد فيه أي شيء يشير إلى هذا اليوم التوعوي المهم!
ثم نجد كثيراً من الناس في هذه المناسبة يدخلون المولات التجارية مثلاً لشراء شيء بقيمة 2000 ريال فينهارون أمام إغراءات السلع التي يرونها، فيشترون أكثر وأكثر حتى لو لم يكونوا بحاجة لما يشترونه وإنما سعياً وراء متعة الشراء فقط لا غير! بينما يؤكِّد خبراء الاقتصاد بالمملكة غياب ثقافة الادخار تماماً عن حوالي 90 % من المجتمع السعودي بسبب الإفراط في المصروفات وسوء الاستهلاك، وحسناً ما فعله المركز السعودي للمسؤولية الاجتماعية بعقده دورات تدريبية عن الوعي المالي وثقافة الادخار لمواكبة رؤية 2030، لأن غياب هذه الثقافة يجعل أفراد الأسرة {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}.
والادخار لا يقتصر على النقود فقط وإنما يشمل سوء استهلاك الكهرباء أو الماء ... إلخ، فيما يؤكِّد خبراء الاقتصاد بالسعودية أيضاً إذا قارنا أنفسنا بدول أخرى كسنغافورة مثلاً سنجد ادخارنا لا يمثِّل شيئاً بالنسبة لها، فهم يقدرِّون قيمة ثقافة الادخار، فلماذا لا نأخذ من غنانا لفقرنا ونستقطع ولو جزءاً زهيداً من الراتب للزمن، كما يقولون، ونغزل من مصائب الدهر فوائد. وكما يقول المثل العامي عند الإخوة المصريين (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود) الذي قد يواجه المبذِّرين فيسبب مشاكل لا حصر لها لأفراد الأسرة ويلقي بهم في أتون مخاطر الفقر والعجز والتقلّبات الاقتصادية.
الطامة الكبرى كشفها مؤشر Numbeo المتخصص في الدراسات الاقتصادية أن المواطن السعودي احتل وبجدارة منقطعة النظير، قدرة شرائية جعلته يحتل المركز التاسع عالمياً من بين 119 بلداً والأولى خليجياً!
أقولها بصدق، هذه الإحصاءات تحمل مؤشرات مخيفة، من المهم أن نعيها جيداً ونبدأ مع أطفالنا بالتعويد على ثقافة الادخار إما بوضع النقود في حساب توفير فقط، أو بتوجيهها للاستثمار أيضاً لأن الادخار والاستثمار وجهان لعملة واحدة؛ كلاهما يجعل المواطنين يقفون على أرض صلبة أمام نوائب الأقدار، ويصنعون من جدب المعيشة رغداً لا يعرف طرائقه إلا قلوب من يعلمون جيداً قيمة ثقافة الادخار.