د.ثريا العريض
«.. ولو نقشت على الصفصاف نوع دمي
لجاءت الريح غير الريح في الصفصاف
والصفصاف يتّقد..»
محمود درويش
أتأجج إِذ يصلني هتافك أيها «العربي» الأصيل.. في فلسطين ولبنان والعراق واليمن والأهواز وكل أرض تنتفض شوارعها تطالب بحق هويتها العربية.
ذات يوم مضيت هائمة مع «فاختة» اليمامة الخليجية المفجوعة بفقد صغارها أهدهدها وأبحث بعيني زرقاء عن عش لها في مدى الشجر العربي.. ولم أجد..
غمغمت ملتاعة بوجع لا تعرفه إلا كل أم عربية مكمّمة الشفاه.. نازفة العيون.. مجروحة الانتماء:
«لكل طريق علامة
فأين اتجاه الشجر؟
تخضب أوراقه صفرة الموت
أين اتجاه السلامة؟
وأين اتجاه الوطن؟
وأين تباع التواريخ
كي نشتري وطنًا وزمنًا؟
ومن سيطالبنا
-حين نحرق أحلامنا- بالثمن؟
أي أسماء نذكر عند الكرى؟
كل تاريخنا كان شوقًا
إلى جبهة لبطل
ومنتظر سيصل
يطل غداة انهمار المطر
ويزرع في أرضنا وجهه والشجر
يجرد في العاديات حسامه
ويحمل فوق الجبين حمامة..
فلماذا تظل العيون خواء..؟
من يشتري للملايين حلمًا..؟
ومن يفتديها.. إذا حلمها يستبد؟
أسائل «فاختة « عن بنيها
فتهتف: يا ليتني لم ألِد!»
أنا اليوم أكبر وأكثر نضجًا: لا أتقبل أن كل الشجر العربي غير قابل لنقش فصيلة دمنا على أوراقه المتحركة!
ومع هذا ما زال بعض ذلك الهم الطفولي في حدسي: إن تحمل هوية العشق العربي اليوم؛ يعني أن تحمل الشارة القرمزية موشومة في الملامح الناطقة الصمت.. يعني أن تحمل وصمة الإرهاب والشقاق والفصام والتطرف والتأرجح بين الجبن والتهور والقسوة والخوف.. وأن تعيش القلق وازعًا يوميًا في شوارع أي قارة يجتاحها غبار قدميك، بما في ذلك شوارع وطنك الأم.
أقول للمنتفضين في الشوارع: وصلتم إلى المفترق. أدعو لكم برؤية سليمة تتصدى لضبابية خريف مدلهم وتوضح اتجاه الشجر.
الأوطان ليست لمن يبيعها للمغتصبين والغزاة؛ هؤلاء خونة وليسوا أبطالاً. أما التاريخ الحي ووجهة الشجر فيقررهما عاشق للوطن ذو رؤية يقود رجالاً يحققونها على الأرض دون انتظار من يملي عليه الاتجاه.