عبده الأسمري
يتنقَّل الإنسان في هذه الدنيا ما بين مراحل عمرية وينتقَّل بين فواصل حياتية يواجه الظروف ويستعين بالتجارب ويهزم بالفاجعة وينتصر بالفرح.. يسير في متاهات الأقدار ويغفل عن ردهات الاعتبار.. يتحيَّن القوة ويكره الضعف يتباهى بالذات وينهزم بالإحباط يسمو بالعرفان ويسقط بالخذلان..
تمثِّل الحياة مدرسة كبيرة يأتي إليها الإنسان «تلميذاً» وقد يظل على طاولته الصغيرة ينتظر التوجيهات فينجح ويفشل وقد يقبع في «قبو» الرسوب وقد يتعثَّر ثم يجتاز الصفوف ولا غرابة فقد يكون «أستاذاً» فيها يوجه وينصح، في حين أن هنالك من كان «رقماً» في خانة «صفرية» بلا قيمة وقد يتحول إلى «عدد سالب» وقد يبقى «فراغاً» بلا ناتج.
الحياة مدرسة تلامذتها «البشر» والمواقف «اختبارات» يومية غير خاضعة للتوقيت لا يتسرَّب إليها «الغش» في أداء الامتحان ولا مكان فيها إلى تزوير النتائج ولا مجال فيها لتسرّب الأسئلة.. وإنما العبرة بالنتائج والناجح من ذاكر جيداً في «مذكرات» التجارب واستذكر بجدية في «استذكارات» الوقفات وفهم باحتراف وقائع التعاملات وتفهم باستشراف وقع المعاملات.
مدرسة الحياة مشفوعة بتجارب ثرية من العرفان الذي تسبكه «القلوب البيضاء» في هيئة اعتراف بالفضل وإدانة بالنبل ليتطور هذا الفعل الأصيل النبيل ليسمو إلى مصاف «الاعتزاز» ناثراً عبير الصنائع إلى الأنفس ناشراً تقدير الفعائل نحو الأرواح فنجد أننا أمام «تظاهرة» إنسانية فاخرة مليئة بالحسنى ممتلئة بالمحاسن يفوح منها «شذى» الوفاء ويتعالى منها «صدى» الصفاء مما يجعل الموازين «راجحة» في معادلات التأثير في التعامل والأثر في التواصل.. لننعم بأفعال بشرية صادقة يحفها «اليقين» ويجسدها «التعاون» ويكملها «التعاضد» في منظومة تكامل حياتي حافل بالسلوك الحسن والمسلك الأحسن.
وعلى النقيض تمتلئ مدرسة الحياة بسوءات مخجلة من النكران نسجته «قلوب سوداء» في صور خذلان بائس انحدر ببعض البشر إلى هاوية «التنكر» وسقط بهم في «قعر الجحود» فمكثوا في غيابت «السوء» لابسين «سواد» المسلك و«سوء» العاقبة «ناثرين «سواد» الصدود على سداد المنطق.. مشوِّهين وجه الواقع بالأنانية «المقيتة» منتهكين واجهة السواء بأعمال تعكس اختلال «أنفسهم» المريضة بحب الذات و«اعتلال» أرواحهم» الموبوءة بتغليب المصالح.
في مدرسة الحياة «جماعات» و»مجاميع» بشرية تجمعها الصفات المشتركة ففيها «وفود» الخير و»زمر» الشر ووسطها «سدنة» الفضائل و«زبانية» المهازل لذا فإن التضاد والتعاكس وجهان ضروريان وأمران حتميان فيها واللبيب من اتجه إلى «صواب» المسالك ومضى نحو «جواب» الحق والخائب من ارتمى في «خراب» المهالك ولاحق «سراب» التخاذل.
في هذه المدرسة مناهج عديدة ومنهجيات متعدِّدة بعضها قابل للتطوير والتجديد في ظل تطورات ومتغيِّرات والأخرى مسلَّمات ومنطلقات تظل «منابع» أمان لصناعة «السلوك» السوي و«أسس» لصياغة «الوصال» السلمي..
تعلّم مدرسة الحياة الإنسان معاني عدة في سبل العيش في اتجاهات الاحتياج وفي طرق التعاطي مع موجهات الارتياح فنجد الصلاح والتصالح مع النفس «جرعة» نفسية عجيبة مهيبة للاكتفاء بالذات والتخلص من الانكفاء على المصلحة حتى ترتسم «الموضوعية» لتكون «عاملاً» مشتركاً في كل شؤوننا وأمورنا.
تتقارب وتندمج وتنصهر «المعاني» في اتجاهين متعاكسين من الارتقاء أو النزول ومن النجاح والفشل ومن الرضا واليأس فنجد الفروق ونحصر التباعد ما بين الشخصيات الإنسانية المختلفة.
في مدرسة الحياة تنوّع «سلوكي» و«تنويع» معيشي ويأتي البشر كفائزين وخاسرين وجلادين وضحايا وشاكرين وناكرين وصابرين ويائسين ليشكِّلوا بوادر «المصير» ويرسموا مبادرات «التقدير».
مدرسة الحياة «مفتوحة» للدراسة والتعلّم والكل سيدخلها ويتعايش مع كل آفاقها المشمولة بالتفكر والتدبر والجميع على مفترق طرق من النجاة والسقوط وفارق تمييز بين القمة والقاع، لذا فإن المرحلة تتطلب تغيراً في طرائق الفوائد من التجارب وتغييراً في مشارب المنافع من المواقف.
ها هي الحياة «مدرسة» وفيها ومنها وإليها تكتب لنا يومياً تفاصيل أعمار جديدة نسير بها عبر دروب القدر ووسط ضروب العبر. لتظل الحقائق شاهدة والوقائع شهيدة على كل إنسان في الماضي والحاضر والمستقبل في ظل تفاصيل المعطيات والمؤشرات بين المأمول والواقع.