د. أحمد الفراج
تطرقت في سلسلة المقالات الماضية للرؤساء، الذين حكموا أمريكا، منذ تحررها من الاستعمار البريطاني قبل أكثر من قرنين، حتى عهد باراك أوباما، وهم 44 رئيساً، كان من ضمنهم رؤساء عيار ثقيل، ومنهم السيئون، والأغلب الأعم كان في الوسط، فالدولة التي حكمها جورج واشنطن، الأب الروحي للثورة على الاستعمار، حكمها أيضاً جيمز بوكانون، الذي يصنف على أنه أسوأ رئيس أمريكي عبر تاريخها، وكما رأسها المفكر، توماس جيفرسون، المنظر لليبرالية الحديثة، وإبراهام لينكولن، الذي ألغى الرق في أمريكا، ومن هناك انطلقت حركة تحرير الأرقاء حول العالم، هي ذاتها الدولة، التي فاز برئاستها زاكري تايلور، والدول تمر بانعطافات، فأحياناً يكون هناك زخم بالساسة النجوم، وأحياناً يكون هناك فقر شديد، كما هي المرحلة الحالية، فأفضل مرشح يقدمه الحزب الديمقراطي حالياً هو جوزيف بايدن، الذي لم يكن ليحلم حتى بالترشح للرئاسة في أزمان زخم الساسة النجوم.
من مفارقات ما كتبناه عن رؤساء الإمبراطورية الأمريكية أن جورج واشنطن كان بإمكانه أن يحكم لمدة أطول، بل كان بإمكانه أن يؤسس ملكية في العالم الجديد. هذا، ولكنه سنّ سنة الاكتفاء بفترتين رئاسيتين لمدة 8 سنوات، وكان هذا بسبب إيمانه العميق بمفهوم الديمقراطية، التي كان هو أبرز الداعين لها في الدولة الوليدة، وكان يعلم أن ما يفعله سيكون نبراساً لمن يأتي بعده من الرؤساء، ولهذا تم تصنيفه ضمن أفضل ثلاثة رؤساء، كما كان توماس جيفرسون مفكراً أكثر منه سياسياً، وكان له دور بارز في صياغة الدستور الأمريكي الفريد، الذي ما زالت أمريكا تسير على هدي موادّه حتى يومنا هذا، واستطاع جيفرسون أن يجمع بين الفكر الراقي والممارسة السياسية، وهي معادلة صعبة للغاية، لا يقدر عليها إلا كبار الزعماء، وغني عن القول إن نظريات حيفرسون في الفكر السياسي ما زالت تُدرّس، وما زال الساسة يحلمون بأن يستطيعوا اقتفاء أثره، رغم أنه حكم قبل أكثر من قرنين من الزمان، وسنواصل الحديث.