سهوب بغدادي
«القلب يعشق كل جميل، ويا ما شفت جمال يا عين»
أضيف على أبيات الشاعر الراحل بيرم التونسي، «والأذن تعشق المواويل وتميل، لصوت الهمس الطروب والهديل». ذات يوم، أخبرني الأديب والشاعر الراقي الأستاذ إبراهيم الوافي بأنه حزين جداً على كلمة «ذكريات» لأنها ابتذلت من قبل العابثين على الجدران في كل مكان، فأصبحت ترتبط بشكل وثيق بمفهوم العبثية. استغربت لمشاعره تجاه هذه الكلمة، ووجهت له سؤالاً كالآتي: ما سر جمال كلمة ذكريات؟ وبماذا تتميز عن كلمة ذكرى؟ فقال: هي كلمة جميلة شاعرية لأن تاء التأنيث تضفي طابعاً مختلفاً لأي كلمة، هي ليست ذكرى واحدة، بل ذكريات. واستطرد في شرحه العذب للمعنى الذي وقع في قلبي قبل عقلي، إلا أنني لن أستطيع إيصال ذات المفهوم بقوة المعنى والإحساس الذي يقوم به، ربما إحساس الشاعر يلعب دوراً جلياً بالإضافة إلى غيرته على اللغة العربية من غياهب الزمان. من هذا السياق، تفكّرت في مرة غير مسبوقة في السبب الذي يشكِّل ويحوِّر كلمة ما من استخدام في نطاق معين إلى نطاق آخر. إنه مبحث ضخم جدير بالبحث والدراسة بشكل متعمّق، ولكن سأضع هنا بعض الأفكار الرئيسة المتعلّقة بالموضوع.
تغير استخدام المصطلحات حاصل في جميع اللغات باعتبار التغيّرات المستمرة في الحياة بشكل عام, فهنالك العديد من الكلمات، بل الصوتيات الخاصة بلغات ولهجات تحوَّرت أو حادت بمعنى محايد عن الأصل نتيجة لعدة عوامل مؤثِّرة, إما لعوامل تعود على الفرد والجماعة والمجتمع القريب والأبعد, كما يعد التعرض للثورة المعلوماتية من أبرز العوامل التي تساهم في تغيير اللغات وطابع المصطلحات والسياق الذي تستخدم ضمنه. فيما تعد الترجمة أحد أبرز ضروب تطوير لغة ما بالإضافة إلى بروز ظاهرة التعريب والدبلجة والتبني -أخذ كلمة من لغة أخرى وتطبيعها ضمن قواعد اللغة- إضافة إلى «النقحرة» النقل الحرفي للكلمات وصولاً إلى ظاهرة لغة الشات أو ما يُعرف بالعربيزي والعرنسية.
هل التغيير سيئ بالضرورة؟ لا أعلم، ولكنني أرى أن جميع لغات العالم باستثناء اللغات المعزولة قد تواجه التغييرات أو ما يطلق عليها لدى معشر اللغويين «تحديات اللغة في العصر الحديث» وهو مبحث معاصر في غاية الأهمية نظراً لمواكبته للوقت الحالي وتسجيله للظواهر الدخيلة على اللغات واللهجات وتحورها إلى لغات فرعية ذات اختصاص معين.
(اللغة مثل الوردة, جميلة في محلها الصحيح).