فهد بن جليد
آخر موضة تسوُّل عشتها مُنذ أسبوع، عندما اقتحم شخص المكان الذي أجلس فيه مع صديق ليطلب المساعدة بأسلوب مليء بالتعطُّف، مُستشهداً بأبيات شعرية تدل على كرمنا وجودنا، وإنَّ كان لا يعرفنا إلاَّ أنَّ (وجيهنا وجيه خير) وهو يقرأ بفراسته كم نحمل في داخلنا من الشجاعة والكرم حتى ظننتُ أنَّه سيقول (معلقة) عمرو بن کلثوم، وعندما لم يحصل على ما يريد، تحوَّل فجأة إلى ما يُشبه (الحطيئة) هجاءً عنيفاً، لم نسلم من لسانه السليط في وصف جلوسنا نحتسي القهوة دون مبالاة بما يقول، وكأنَّنا مذنبون ومسئولون عن ما أصابه، التفت على صديقي وذكرَّته بحملة لطيفة يحاول المصريون إنجاحها منذ 6 سنوات وحتى اليوم ولكنَّهم فشلوا في ذلك؟.
حملة (آسف أنا معرفكش) تهدف لمُحاربة التسوّل، والدعوة لقصر الصدقات على المحتاجين الحقيقين فقط، لم تنجح الحملة وانتصر (الشحاذون) بتعاطف الناس، وكأنهم يقولون (انتو مين) أصلاً؟ إحنا اللي (ما نعرفكوش) أساساً؟ على طريقة صاحب القصائد والمعلقات في الكوفيهات والمقاهي عندما لم يحصل على المال، خفة دم (الشحاذين) جزء من فقدان القدرة على السيطرة عليهم خصوصاً في بعض البلدان العربية بتقديمهم معلومة لك أو فائدة أو نكتة، ولربما علق أحدهم على شكلك أو شكل من يسير بجوارك ليشد انتباهك، أفضل طريق للتعامل مع المتسولين هو عدم الكلام معهم (التزم الصمت تسلم) فعندما تفتح حواراً مع أحد هؤلاء، ستجده مستعداً للنقاش معك في أي حقل من حقول المعرفة أو الفن أو الرياضة، يفهم بالألوان، ويستطيع أن يقيمك هل ترتدي (حاجة أوريجنال) ولا أنت من رواد سوق (الخاسكية) بجدة، وسوق (الكرامة) بدبي، النقاش معه قد يطال السياسة والاقتصاد والرياضة، وفجأة قد يقول لك: الله أنت شعرك شبه شعر (عمرو دياب) حتى لو كنت أصلعاً، ومن ثمَّ يرمقك بعينه مستغرباً ما قدمته له من مال (إيه الفكة دي)؟ لتسمع كلاماً وتقريعاً يعكس حقيقة مظهرك ولبسك على طريقة (روح وأنت شبه سيخ الكباب).
المتسولون آخذون في تطوير أدواتهم وأساليبهم، هم ليسوا في الشارع فقط، فقد تكتشف أنَّ بعض الشخصيات ذات المظهر الأخَّاذ والمنطق المبهر من حولك، هم في حقيقة الأمر يشبهون أولئك بشعرهم أو كتاباتهم أو مديحهم أو حتى تغريداتهم وثنائهم عليك، يبدأون بطلب (النجدة والسلف)، ولربما تحولوا إلى أصحاب نكتة في مدحهم وهجائهم ليطلبوا (مبلغاً أقل) ليغادروا على عجل، على طريقة أنت مين أصلاً (آسف أنا ما بعرفكش) وحشوف غيرك!.
وعلى دروب الخير نلتقي.