عبد الله باخشوين
مسابقة القراءة أو (تحدي القراءة) كما أطلق عليه.. بادرة يشكر القائمون عليها لو تمت قبل عشرين عاماً مثلا.. خاصة بالصيغة (التقليدية) التي تمت بها والتي يمكنني أن أطلق عليها مسابقة صرف الطلبة العرب عن القراءة هذا في أحسن تقدير للجهد والمال الذي يصرف عليها منذ نحو خمس سنوات بهدف (إعادة إحياء القراءة لدى (الطلبة العرب) بأسلوب قديم جدا يهدف لرفع مستوى الوعي بـ(أهمية اللغة العربية) وخلق أجيال مثقفة بـ(إلزام كل طالب وطالبة بقراءة خمسين كتاباً خلال كل عام دراسي). وبأهداف (تحدي) تغير واقع القراءة (المزري في العالم العربي) لخلق (جيل جديد متفوق في مجال الاطلاع وشغف القراءة والمعرفة).
رحم الله (الكتاب) الذي يصارع الآن احتضاره بكل الوسائل الممكنة.. وأزعم أن أبناء جيلي والجيل التالي له ربما يكونون هم جيل الكتاب الذي كان يصارع في مواجهة كل أساليب المنع والتحريم والذي كان في أمس الحاجة لمثل هذه المبادرات (شرط) أن تدخل في صميم هموم الإنسان وصراعاته الفكرية والاجتماعية والسياسية والفلسفية التي كان يخوض غمارها دون خطابة وادعاء وتنميق.. أما الآن ومنذ نحو عشر سنوات فقد اختلفت (القراءة) في شغفها وفضولها واهتماماتها.. وتعددت وتنوعت متطلبات
(التنوير) الذي هو الهدف الأساسي للقراءة والاطلاع.
أصبحنا نحتاج إلى جيل يخوض غمار هموم عصره بمتطلباته السريعة المتنوعة.. ويبقى في (أتون) نار المعرفة التي يصطخب فضولها فيه ويصطخب بها الكون من حوله وتجعله يكاد يصاب باللهاث في سعيه للحاق بخطوط المعرفة التي - على تفرعها- تداخلت وتشابكت بشكل مهول.
كانت (الصورة) - على سبيل المثال- تحتاج إلى (مصور) هاوٍ أو محترف - لا يهم- لكنه هو القادر على التقاطها وطبعها وتقديمها لصاحبها.. أما الآن فإن كل حامل (جوال) يسير بمصورة معه وكل (الكون) من حوله يصوره ويتصور معه. أما بشأن الكتب والكتابة.. فقد كان الكُتاب - أمثالي- يتفشخرون بمواهبهم وينفشون ريشهم بتعالٍ وتميز.. خاصة وأن (بضاعتهم) احتكرت وسائل (النشر) وأصبحوا هم وأمثالهم مادة لأخبار الصحافة الثقافية والاجتماعية.. ويلجأ لهم أقاربهم ومعارفهم للتوسط لنشر (صور) نجاح أبنائهم (مجاناً) لأن الصحافة لا تنشرها (مجاناً).. وكان.. وكان.. وكان.
الآن أصبح كل (حامل) جوال كاتباً.. يستطيع نشر ما يريد دون رقيب أو حسيب وعلى طريقة (تحدي القراءة) يستطيع أن (يهذر) بما يريد وبأسلوب (البلاغة) الذي يقترحه هو ولا يلقن به أو يملي عليه من أحد.. يستطيع أن يكون ممثلا.. أسوة بحسن عسيري وفايز المالكي أو غيره من (النجوم).. ولديه الفرصة لأن يكون (راقصاً) أو مطرباً وغير ذلك مما هو متاح مما كان (حكراً) على أصحاب (المواهب).
أصبح تحدي القراءة هو تسابق في الاطلاع والمواكبة والإلمام وليس في التشدق بكلام القدماء ببلاغة وفصاحة كانت تناسب أبناء جيلنا.. وكان كل من حولنا من عباد الله الأسوياء يسمعوننا ويقولون:
- شوف بالله الأخ اللي قاعد ........ في الكلام؟!
نحن نحتاج إلى أن نجعل أبناء أجيالنا الشابة.. يصبحون أكثر تواضعاً وانفتاحاً وشغفاً بفهم وهضم كل هذا الذي يصطخب فيهم وحولهم.. لأن المرحلة القادمة تؤكد أن عليهم أن يسيروا على الماء دون أن يصيبهم (البلل) ويصلون إلى الضفاف الأخرى لكون مرسوم في مخيلاتهم وعلى أرض الواقع أيضاً.. وعجبي.. على طريقة رباعيات صلاح جاهين.