عمر إبراهيم الرشيد
أسَّس الإغريق المسرح لبث الدروس الأخلاقية وكشف المشاكل الاجتماعية في أثينا وما حولها. والحضارة الإغريقية هي ملهمة الحضارة الغربية فكراً وثقافةً وفلسفة، والفضل للعرب حين ترجموا التراث الإغريقي فاستفاد منه الغرب أيما استفادة. والمسرح أبو الفنون كما هو معلوم، والسينما والتلفزيون امتداد للمسرح وشكل من أشكاله، وقد كتبت من قبل عن ضرورة عودة المسرح السعودي للإسهام بدوره في التنوير أردت من هذه المقدمة الموجزة تأكيد دور الفن الاجتماعي والتنويري، وأن مقولة الفن للفن تخص من أطلقها ومن اقتنع بها. وأن مقولة إن الفن ليس مكلفاً بالإصلاح ليست كلاماً منزلاً، بل الفن بكل أطيافه إلى جانب ارتقائه بالحس الجمالي والذوق فإنه جدير ببث الرسائل الأخلاقية غير المباشرة بالطبع، وعن طريق محاكاة الواقع بلا تهويل أو تجميل. مؤخراً تم بث المسلسل الكويتي (موضي قطعة من ذهب) فذكّرني بمسلسلات الأيام الخوالي الهادفة والجاذبة أمثال (إلى أبي وأمي مع التحية) وغيره من تلك التي أنتجتها وأشرفت عليها طيبة الذكر مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج، التي توارت أو انتهت بكل أسف مع هموم السياسة وتوابعها. كاتب المسلسل هو الدكتور حمد الرومي وهو طبيب وكاتب، وهذا في رأيي سر تميز هذا العمل، إذ استخدم الكاتب المقاربة الطبية في تشخيص علل اجتماعية لا يخلو منها مجتمع عربي أو خليجي، فابتعد المسلسل عن الاستعراض والإثارة المصطنعة وركَّز على علل نفسية واجتماعية ظاهرة. وإن ذهبت لتعقب سر تميز الدراما الكويتية ومهارة الأداء لدى الكويتيين فستجده في الأسس الراسخة للمسرح بدءاً من المدرسة ومنذ خمسينات القرن المنصرم، على يدي مسرحيين مصريين مثل زكي طليمات ورفاقه. وكما قلت فالمسرح الناجح ينتج فناً متمكناً، وبالطبع فإن الفن مثله مثل أي قطاع بشري، يدخله الباحثون عن الربح دون غيره، ويدخله المتطفلون كما أصحاب الأغراض الأخرى فيفسدونه، إنما يظل يعمل ويظل له مخلصون ورواد ولو خليت خربت كما يقول المثل. جميلة مثل هذه الأعمال الدرامية حين تجسِّد المشاكل والظواهر الاجتماعية والسلوكيات المرفوضة، وتعلي قيماً ظن الكثيرون أنها مجرد مثل عفا عليها الزمن. نحن بحاجة إلى مثل هذه الأعمال وإلى إحياء مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية لتقدِّم لنا مثل ما قدَّمت خلال العقود الثلاثة الماضية. كما يستحق الدكتور حمد الرومي الشد على يده وتكريمهليكون حافزاً لأمثاله لتقديم نصوص وروايات ذات قيمة أدبية وفنية عالية، تسهم في التنوير والوعي الاجتماعي المنشود، طابت أوقاتكم.