رمضان جريدي العنزي
بين فينة وأخرى نقرأ خبرًا حزينًا، أو نشاهد مقطعًا مؤلمًا، أو نسمع قصة مفعمة بالأسى، أشياء تكسر القلب، وتطفئ البهجة، وتخفي ملامح الفرح، وتجعل في الصدر ما يشبه الأزيز والنحيب والغليان، ويصبح العقل معها مشتتًا ومصابًا بالدوخة والدوار والخيبة، تضيع العبارة، والحرف يتبلد، والدم يبرد، والفكر يشيخ، نتيجة فعل غلاظ القلوب الذين يعذبون الطفولة ببرود تام يشبه جليد القطب العتيد، لا سيما والطفولة تشبه الفراشات الملونة، والعصافير الصغيرة الجميلة، والزهور اليانعة الندية، إن الدمى الآدمية التي تكره الطفولة، يشبهون العفن والسبخة والمستنقع، والظلمة والظلام، والكهف والخرابة، يحبون السواد والعتمة، ويكرهون الوضوح والبياض، يصرون إصرارًا عجيبًا، ويستكبرون استكبارًا كبيرًا، على أعمال الشر والجنون والخيبة والغلظة، ويكرهون كل صغير بريء، يشبه البلور والكريستال والوردة، إن هؤلاء الرجال (الأكباش) لديهم هيجان غبي، يخالطه رغبة غير سوية، وعقل مسافر خارج نطاق الإيمان والتحكم، عندهم غاية سيئة في وادي الطفولة، ورغبة عارمة في رميها في مجاهل التشرد والتيه والضياع والأسى، لا رحمة لديهم، الإنسانية عندهم غائبة، والمشاعر لديهم نائمة، وقلوبهم ميتة، أشباح مخيفة، يخرجون من كهوف العتمة والظلام، يبحثون عن عشبة ندية، وزنبقة بيضاء، وزهرة شذية، ليمارسوا عليها أبشع أنواع الهدم والعبث والذبح والخراب، ما عندهم حب، ولا اشتهاء للحياة النبيلة، ويمقتون زقزقة العصافير فوق الغدير، ولا يتأملون كيف تطير نحو الفضاء الرحيب بقلب يشبه الحرير، ولا يشتهون الفراشات ولا القبرات، ولا يستأنسون لرف الحمام، حين يطير، وحين يحط، ولا يبتهجون لمجىء الغمام، وما في قلوبهم حب قديم، يعيش معهم كطفل جميل، ولا يعرفون كيف يوقدون السراج في الليل العتيم، ولا ينتشون لنزف الهواء الشفيف الندي الذي يجيء من بين سفوح التلال والسهوب، وما عندهم غير التخاتل والخداع والسواد الذي في القلوب، ويهوون جيدًا رسم الخراب، ووأد الطفولة، وكيها بالنار، ضربها بالعصا، ورميها بالحجر، وتقييدها بالسلاسل والحبال، لهذا وجوههم مكفهرة عابسة، ولا يعرفون الابتسام، وتعذيب الطفولة عندهم هواية غبية، لكنها عندهم مفضلة، وثيمة من رماد، قدودهم قصيرة وليست عالية، ولا يتحلون بالاحترام، والسواد عندهم مثل جبال، ليلهم سرمدي بلا انتهاء، ويشتغلون بالنكد والاعتباط، ولا يبالون أن اتصفوا بهذه الصفا، جنونهم عاتي مثل رياح عتية، ويعصفون في كل أرض ووادٍ وقفر، يرحلون من ظلام لظلام، وكأن العمر عندهم استحال ظلام، قابعين تحت أحقادهم، ومنتظرين في كهوف القلق، والوقت عندهم أرق، فنعوذ برب الفلق، من شرور هؤلاء على الأطفال، ومن رزاياهم وأفعالهم والمحن.