د.معراج أحمد معراج الندوي
إن العالم المعاصر يئن اليوم من صراعات كثيرة وحروب عديدة بين قوى متنافسة وجماعات وأفراد متنافرة ومجتمعات ودول معتدية، وأن الأوضاع التي يواجهها العالم ويعيش الإنسان لنبذ العنف والكراهية التي نشاهدها ونحس بخطرها على الأمن والسلام العالمي.
لقد شهد التاريخ البشري حروبًا متعاقبة في إحلال السلام في العالم وظلت معها فكرة السلام العالمي رهينة النظريات والدعوات والمحاولات التطبيقية أو العنصرية بسبب التناقض والتعارض في السياسة، وعدم تلك الكفاية المطروحة لحل مشكلة السلام العالمي.
ظلت فكرة السلام حبيسة النظريات، وتتحكم بها في الواقع القوى الغالبة حتى اكتوى العالم بنار الحربين العالميتين، وقد برزت فكرة السلام العالمي إلى الوجود، حيث أدرك الناس ضرورة إيجاد تنظيم للسلام والأمن ينقذ مستقبل البشرية من عنائها الأكبر الناجم عن التطور السريع الذي أصبحت عليه صناعة الأسلحة وآلات الحرب، فكانت عصبة الأمم، ثم تلتها منظمة الأمم المتحدة التي استهدفت السلام العالمي مقصدًا أساسيًا لها. ثم دعت المجتمع الدولي إلى التقيد بميثاقها في سبيل تحقيق السلام العالمي وحرّمت الحرب من أجل إحلال السلام.
السلام بمفهومه العام هو عدم قيام حرب، فالسلام حالة واقعية ظاهرة، وهي الحالة التي يكون فيها العالم خاليًا من الحروب. السلام يعني أكثر من مجرد غياب الحرب والصراع، فهو مفهوم ديناميكي، والحفاظ على السلام يرتبط بدرجة العدالة الاجتماعية وإمكانية البشر في إدراك قوتهم ودفعهم إلى حياة كريمة. فالسلام هو حالة من التوافق والوئام والأمن والاستقرار تسود المجتمع والعالم وتتيح فرصة التطور والازدهار للجميع.
إن هناك ثلاثة مبادئ ممكن تستخدمها لقيام السلام في العالم.
1. صناعة السلام: وهو مساعدة أطراف النزاع للوصول إلى اتفاق تفاوضي.
2. حفظ السلام: وهو منع أطراف النزاع من الاقتتال وتعزيز العلاقات بين الأفراد والمجتمعات.
3. بناء السلام: وهو تشديد ظروف المجتمع حتى يستطيع المجتمع أن يعيش في سلام.
إن مفهوم السلام قد تدرج ليشمل عدة أبعاد داخل الشخص نفسه، وفيما بين الأشخاص وبين المجتمعات كما تدرج السلام مع البئية وحقوق الإنسان والتنمية إجمالاً، من السلام المحلي إلى السلام العالمي.
إن ما يفتقر إليه العالم هو ما ينبعث عند الشعور بالسكينة والطمأنية والأمن والسلام لدى الإِنسان، وتحريره من العوامل التي تخلق الخوف وتشيع القلق والاضطراب وعدم الشعور بالاستقرار. والسلام لا يأتي من معالجة حالة وإهمال أخرى، ولا يأتي السلام بالقوة، ولا يأتي السلام بالحرب، لا يأتي الأمن والسلام في العالم إلا بمنهج شامل لمعالجة أسباب الصراعات النفسية والاجتماعية والسياسية. ويبدأ مشروعه بإلقاء بذرة الخير وحب السلام والتنعم به في نفوس الأفراد، ويتوافق فيه السعي لتحقيق السلام للعالم مع السعي لتحقيقه للأفراد والمجتمعات. ويمكن تحقيق السلام العالمي من خلال تحقيق خمس حريات أساسية لجميع البشر في العالم، وهذه الحريات هي:
- حرية التعبير.
- حرية الدين.
- حرية التحرر من العوز والفقر.
- الحرية للبيئة.
- التحرر من الخوف.
هذه الحريات الخمسة هي الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق السلام العالمي حيث إنها تعد جوهر الحياة الجيدة للجميع. فالسلام المطلوب حاليًا هو عالم بلا حرب، وبلا خوف، عالم بلا صراعات، وبلا نزاعات. فالاهتمام أولاً يكون بالصراعات المحلية ثم الإقليمية لأن التركيز على السلام المحلي هو يوصلنا في النهاية إلى السلام العالمي. وحتى ينعم العالم بالاستقرار والتنمية المستدامة الشاملة.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند