محمد بن عيسى الكنعان
السقوط المريع للإخوان المسلمين في مصر، ومن ثم خروجهم من المشهد السياسي؛ يبدو أنه قد أفقد قادتهم صوابهم، فانحرفت بوصلة مسيرتهم عن الجادة، فما عادوا يفرقون بين الحق والباطل، حتى صاروا يتخبطون في قراراتهم، ويتلونون بمواقفهم، ويجعلون من أنفسهم ورقة في لعبة المحاور الإقليمية بين دول المنطقة، بدلالة الاجتماع السري الذي عقده ثلاثة من قادتهم مع مسؤولين في فيلق القدس - الذراع العسكري للحرس الثوري الإيراني - في أحد فنادق إسطنبول بتركيا، خلال شهر أبريل العام 2014م. ذلك الاجتماع فضحته وثيقة سرية من أرشيف الاستخبارات الإيرانية، تم تسريبها إلى موقع (إنتر سيبت) الأمريكي، الذي نشرها قبل أيام بالتزامن مع نشرها من قبل صحيفة نيويورك تايمز.
جماعة الإخوان لم تُنكر ذلك الاجتماع المخزي، الذي شكّل إعلانًا لسقوطها الأخلاقي بعد تكرار فشلها السياسي على مدار تاريخها، حتى أنها لم تستفد من تجاربها، وأخطائها المتكررة، وتجارب الجماعات الدينية المماثلة لها؛ لأن ذلك الاجتماع العار لم يكن اجتماعًا عاديًا معلومًا، أو لقاءً علنيًا لبحث علاقاتها مع الإيرانيين، أو لهدف تنسيق جهودهما ضد عدوهما المفترض - أو كما يزعمون - ممثلًا بـ(الكيان الصهيوني)، بل كان اجتماعًا تآمريًا بغيضًا لاستهداف قلب العالم الإسلامي، ومحور الوطن العربي، والعمق الاستراتيجي للخليج، كان ضد المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أهم دولة عند مسلمي العالم لمكانتها الدينية، فضلًا عن شعبها، وذلك من خلال ميليشا الحوثيين في اليمن؛ لكن عاصفة الحزم عصفت بهذا التآمر.
قد نفهم أو نتوقع أن يجتمع الإخوان بمسؤولي حزب العدالة والتنمية التركي، نظرًا لوجود قواسم مشتركة بينهما، كالمشترك الأيدولوجي، والجامع السني لهما، والاستضافة التركية لأعضائها، والعلاقات القطرية معهما، لكن أن يجتمعوا مع الإيرانيين، وبالذات الحرس الثوري الذي قاد فيالق الغدر والإجرام، وارتكب الفضائع والمذابح في العراق وسوريا، وعبث في لبنان واليمن، وعمل ويعمل ضد بلادنا ومملكة البحرين الشقيقة. ذلك الاجتماع كان عُهراً سياسيًا وسقوطًا أخلاقيًا، سقطت معه كل شعارات الإخوان المزيفة عن الوحدة الإسلامية، ومصير الأمة، وإصلاح حال المسلمين، وقد تجلى ذلك السقوط بحديث أحد قادة الإخوان لإحدى القنوات الإخبارية ممن حضر اجتماع العار، عندما زعم أنهم اجتمعوا مع الإيرانيين لأجل مناقشة أوضاع الأمة. وهل مناقشة أوضاعها يتم في الغرف المغلقة، وعبر الاجتماعات السرية، وهل يكون في التآمر على ضرب قلب الأمة الإسلامية ومركزها الديني، وهل بحث أوضاع الأمة يكون مع دولة قومية حتى النخاع، لا تعترف بالعلاقات الأخوية بين الحكومات والشعوب، ولا تحترم المواثيق والأعراف الإقليمية والدولية، دولة شعارها تصدير الثورة، وتاريخها ملطخ بدماء الأبرياء في سوريا والعراق واليمن، دولة يتفاخر مسؤولوها بأنهم يحتلون أربع عواصم عربية! دولة قامت عبر حرسها الثوري بإثارة القلاقل في الوطن العربي، والسعي للعبث بأمن واستقرار الدول الخليجية.
لقد صوّرت الحزبية الضيقة والانتهازية السياسية للإخوان أن يتآمروا مع دولة طائفية ضد الدولة الحاضنة للأمة السنية، وأن يتآمروا مع دولة متطرفة بالقومية ضد دولة هي مركز العرب وعزهم، ومع دولة تهدد أمن الخليج ضد الدولة الكبرى في الخليج وعمقه الاستراتيجي. فإذا كان هذا فعلهم وهم جماعة، فكيف حالهم وهم يحكمون إحدى الدول؟ ببساطة إنه السقوط الأخلاقي في اجتماع العار الإيراني.