حمّاد السالمي
* أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض قبل نحو أسبوع؛ حكمًا ابتدائياً بحق 38 متهمًا من مجموع 41، وذلك بعد ثبوت إدانتهم بعدد من التهم المخلة بأمن الدولة والمجتمع، أبرزها: انتهاج المنهج التكفيري المخالف للكتاب والسنة، بتكفير حكومة المملكة وعلمائها ورجال أمنها، وتمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية. وقررت المحكمة تعزير المدعى عليه الأول بالسجن 25 سنة، والمدعى عليه الثاني بالسجن 20 سنة، والمدعى عليه الثالث بالسجن 15 سنة. وتراوحت الأحكام على بقية المدعى عليهم بالسجن بمدد متفاوتة؛ من اثنتي عشرة سنة وستة أشهر؛ حتى سنتين وستة أشهر، والإبعاد عن البلاد لغير السعوديين منهم بعد انتهاء محكوميتهم. الطريف في مشهد هؤلاء التكفيريين القتلة؛ أن أحدهم أنشأ تنظيمًا إرهابيًا سريًا أثناء إيقافهم، وبايعه أعضاء التنظيم بالإمارة، وجنَّد عدداً من الموقوفين في هذا التنظيم بهدف الإخلال بالأمن الداخلي، وإعداد وتخزين وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام..!
* هذه حلقة واحدة من ضمن حلقات الإرهابيين الذين يستهدفون المملكة حكومة وشعبًا منذ جماعة جهيمان الإرهابية واحتلال الحرم المكي قبل أربعين سنة، ومنذ ظهور القاعدة الإرهابية في أفغانستان قبل عقدين ونصف عقد بقيادة الهالك أسامة بن لادن. القاعدة الإرهابية ومن جاء بعدها تحت إعلام داعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها؛ تكفر وتقتل باسم الجهاد، فلا تستثني أحدًا حتى من المسلمين. وتتحرك في دول عربية وإسلامية عدة، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية؛ مستفيدة من خطاب ديني مساند لها في محابر القوم ومنابرهم. هذا الخطاب هو الحاضنة المولّدة للبنى الفكرية والبشرية للجماعات الإرهابية كافة، لأنه حتى يوم الناس هذا؛ لا يفرق بين جهاد التكفير والقتل عند الإرهابيين؛ وبين جهاد الدفع. مصطلح الجهاد لم يُحرر بما يخدم أمن الأوطان، وتحقيق السلم العالمي، ومستقبل المسلمين الذي هو جزء أساس من مستقبل البشرية جمعاء.
* إن جهاد التكفيريين القتلة تحت رايات القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام والجماعات الإرهابية كافة؛ موجه لخدمة أهداف قوى عظمى تسعى لإضعاف الدول القُطرية العربية تحديدًا، وتمزيق البنى السياسية والاجتماعية فيها، للوصول إلى تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتقزيم المقزم، وهذا ما تفعله الجماعات الإرهابية في ديار العرب اليوم لصالح تلك القوى المعادية. إن قاعدة الهالك ابن لادن على سبيل المثال؛ كانت تُكفر وتُفجر وتقتل العرب والمسلمين من أفغانستان، بشعارات معادية لأميركا والغرب وإسرائيل وإيران والشيطان، وطيلة خمس وعشرين سنة؛ لم توجه عملية واحدة لإيران المجاورة لها، ولا إلى إسرائيل، ووصلت عملياتها إلى باكستان، وإلى المملكة العربية السعودية ودول أخرى..!
* مثل القاعدة ووريثتها النصرة؛ ها هم الدواعش يقتلون ويفجرون في العراقيين والسوريين من أراض تحاد تركيا وإسرائيل، وفي تقاطع يومي مباشر مع الحشود الإيرانية في العراق وسورية ولبنان، لكنهم لم يوجهوا رصاصة واحدة لتركيا أو إسرائيل، ولم يعرقلوا مجرد عرقلة؛ الحاكم بأمره (قاسم سليماني)؛ المرشد الأعلى الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن. وها هي فصائل داعش تنطلق من سيناء المصرية المحادة لإسرائيل لتكفير المصريين، وقتل وتفجير موجه للجيش المصري، دون أن توجه رصاصة واحدة لإسرائيل. وهم كذلك موجودون على الأرض الليبية، يجالسون الإيطاليين والفرنسيين والأميركيين والأتراك، ثم يقتلون ويفجرون في الليبيين أهل الأرض، ويستعدون للانقضاض على مصر..!
* لم يعد خافيًا على أحد؛ أن الجهاد المزعوم الذي يستهدف العرب والمسلمين بأيدي مكفّرين قتلة من بين العرب والمسلمين أنفسهم؛ هو حرب مجوسية صليبية ضد المجتمعات العربية، التي بلعت طُعم ولُغم مصطلح الجهاد المفصل منذ تسعين سنة داخل الهيكلة الفكرية للإخوان المفسدين الحالمين بخلافة جديدة، حتى لو كان خليفتهم (قردوغان)، أو (خامنئي)، أو (نتنياهو)، أو (الشيطان). إن معاول الهدم التي يعول عليها المشروع الإخونجي في المنطقة كثيرة، فهي جماعات تكفيرية وجهادية من عباءته، مثل: القاعدة والنصرة وداعش وبوكو حرام، وهي منظمات عميلة مأجورة مثل: الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وحماس في غزة، وهي كذلك دول حاضنة وداعمة مثل: إيران وتركيا وإسرائيل، ودول غربية لها مصالحها في الشرق الأوسط.
* أي جهاد يدعيه من يخرب ويدمر ويقتل ويفجر في بلادنا العربية والإسلامية؛ ثم يجد الدعم المالي والبشري ممن غُرر بهم، ويلقى المؤازرة العمياء؛ من خطاب ديني جاهل؛ لا يمت للعصر الحاضر بصلة؛ يدعو لهذا الجهاد المغلوط بالنصر والتمكين كل يوم جمعة..؟
* متى نحرر مصطلح الجهاد من المفاهيم المتطرفة والمسيّسة، ومن ظلاميات الجهلة والمغرضين، لنأخذ بقول الله عز وجلّ وهو أصدق القائلين: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}.