د. حمزة السالم
القيادة الإستراتيجية الناجحة هي القادرة على اتخاذ القرار الصائب في وقته المناسب وبأقل كلفة وأعلى العوائد. واتخاذ القرار يحتاج إلى ربط المعطيات بعضها ببعض وتحليلها منطقياً للخروج بالقرار الصحيح. وعملية الربط هذه، عملية عقلية تعتمد كليا على ذكاء القائد ومنطقية أسلوب تفكيره، ومدى تقدمها على زمانه. فالذكاء هو أهم صفة للقائد الإداري الناجح ثم يأتي بعد ذلك العلم والخبرة. فالعلم والخبرة ما هي إلا الأدوات التي يستخدمها الذكاء. فكلما تقدمت الأدوات، كلما كان الذكاء أكثر فعالية. فمستلزمات نجاح القائد الإداري إذاً هي: الذكاء ثم العلم (الأكاديمية) ثم الخبرة، ثم تأتي مكملاتها. فالذكي يتحصل من الخبرة أثناء أشهر معدودات، ما لا قد يتحصله غيره في أعوام كثيرة. والذكي إذا تحصل على مبادئ العلم الأساسية، يصبح قادراً على فهم تطبيقات العلوم الأكاديمية المتعلقة بعمله، ما لا يستطيع أستاذ جامعي من فهمه خلال تدريسه وبحوثه في حياته. ولذا تجد أن اختبارات القبول للدراسات العليا في العلوم الإدارية في أمريكا، والتي هي مفتاح القبول في الجامعات الراقية، تعتمد على مواضيع أولى متوسط -أو الابتدائي- فمادة الأسئلة لهذه الاختبارات القياسية ما هي إلا وسيلة للاختبار لا غاية. فالهدف من الاختبار قياس مستوى الذكاء والنباهة وسرعة الفهم وبديهية اتخاذ القرار الصحيح (والمتمثل في ضيق وقت الاختبار) ولذا فالاختبار يزداد صعوبة كلما ارتفعت الدرجة، لأن الحاصل على درجة عالية يكون من أذكياء العالم.
وشاهد آخر تسهل رؤيته على الكثيرين، فهناك التوفل، اختبار اللغة للجامعات الأمريكية. فهو يعتمد كثيراً على الذكاء -هذا باعتبار كون المختبر ليس من المتحدثين بالإنجليزية-. فإنك ترى طالباً لا تكاد تفوته معنى كلمة إنجليزية ومرادفاتها وحافظ للقواعد، وآخر يكاد لا يعرف من الكلمات إلا القليل ومع ذلك يتحصل على درجة أعلى من الآخر. ففهم الكلام يحتاج إلى ذكاء وفطنة، لا معرفة مجردة للكلمات، فالمجنون قد يكون أديباً وشاعراً فضلاً عن متحدث باللغة (وكم نحن بحاجة للتأمل في هذا).
وهناك عيب مدمر في الذكاء وفي العلم وفي الخبرة. فقد يتفوق شخص في أحدها أو أكثر، كأن يكون حاد الذكاء أو عالم في المجال أكاديمياً، أو قضى عمره يعمل فيه. فتمنعه الثقة بنفسه بسبب هذا التميز عن الاستشارة، أو تعميه عن رؤية الصواب في موضوع أو نازلة، قد أتى حلها من شخص في غير مستواه التفوقي المتميز فيه. وهو مرض قاهر، فلو تظاهر المبتلى بهذا المرض بالسماع، إلا أنه يعجز عن فهم أبسط الطرح لانغلاق عقله. والكبر علامة على الإصابة بهذا الداء. هذا إذا كان القائد الإداري يتميز بهذا التفوق، وأما إن كان لا يتميز بتفوق في ذكاء ولا علم ولا خبرة ومتكبر على من هو دونه، فهو أحمق بامتياز. وفيه عقدة نقص تجعله يرى بأن موقعه القيادي الإداري أكبر منه، لذا فهو ينظر إليه بقدسية وينتظر التقديس ممن هو دونه. وهؤلاء ينتشرون كثيراً في المجتمعات المتخلفة.