محمد عبد الرزاق القشعمي
أخوك - غازي بن عبدالرحمن القصيبي
جدة 26 - 7 - 1428هـ الموافق 9 - 8 - 2007م
ولعلي أشير إلى ما كتبه الأستاذ بجامعة البحرين الدكتور عبدالله المدني في كتابه (النخب في الخليج العربي) إِذ كتب عن الدكتور غازي «.. في مجلسه العامر بلندن حينما كان سفيرًا لبلاده لدى بلاط السانت جيمس وكنت أنا مجرد طالب دكتوراه في جامعة اكستر البريطانية فسمعناه يسأل أحد المبتعثين من إحدى الجامعات الإسلامية السعودية لنيل الدكتوراه في بريطانيا عن موضوع رسالته، فكان رد المبتعث (حكم بلع الصائم لريقه). هنا كاد القصيبي أن يقع على الأرض من هول الصدمة والمفاجأة. لكنه تمالك نفسه وخاطب المبتعث قائلاً: (ألم تجد جامعتك مكانًا أفضل من بريطانيا لترسلك لإعداد مثل هذه الأطروحة؟ «.
وقال عن تجربته التي دامت عشر سنوات في الحكومة التي تشكلت في عام 1975م بعد اغتيال المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، وسميت باسم (حكومة الدكاترة) بسبب حمل معظم أعضائها لشهادة الدكتوراه وقدومهم من الوسط الأكاديمي كتب قائلاً: «لا أعتقد أن وزيرًا في المملكة حظي بما حظيت به من ثقة القيادة السياسية، لولا الدعم الهائل غير المحدود الذي تلقيته عبر كل خطوة من الطريق لما كان بإمكاني أن أدخل معركة ضارية تلو الأخرى، وحديثي عمّا تحقق أثناء الوزارة ليس حديثًا عن مجد ذاتي. كل ما قمت به كان بمال الدولة. تنفيذًا لسياسة الدولة. استخدامًا لصلاحيات سنتها الدولة. عبر موظفي الدولة. واستنادًا إلى ثقة لا تعرف الحدود من القيادة في الدولة « والجدير بالذكر في هذا السياق أن القصيبي حمل في حكومة الدكاترة حقيبة الصناعة والكهرباء، فأبلي فيها بلاء حسنًا بدليل أن خدمات الكهرباء في عهد وزارته دخلت كل منزل أو على الأقل أغلبية المنازل السعودية خلال فترة وجيزة. ثم بدليل وقوفه شخصيًا وراء بزوغ الصرح البتروكيميائي العملاق المتمثل في شركة سابك «.
ولا ننسى استصداره أمرًا ساميًا بتشجيع الصناعة الوطنية، ومنها تصنيع المقاعد والمكاتب من خشب الأثل المتوفر محليًا، ومع استيراد ما ينافسه.
وتجميع مكائن الكهرباء المتفرقة بالقرى في المدن الرئيسة، وتطويرها وتلافي انقطاع الكهرباء المتكرر يوميًا وقتها، وغير ذلك كثير.
وعندما أراد أحدهم على سبيل الانتقاص والاستهزاء وصفه بشاعر الرثاء، قال: إنه لا ينفى ذلك بل «أن شعر الرثاء لصيق قلبي» فشعر الرثاء يعبق بعطر الوفاء، والوفاء عاطفة من أنبل العواطف البشرية وأندرها. وقال: «.. شعر الرثاء يندى بالصدق لأنه يُكتب في حالة من الذهول الحزين لا يستطيع معها المرء أن يتحكم في مشاعره أو يُخفيها..».
ولعلي أختم هذه الورقة بموقف إنساني وهو عندما كان غازي القصيبي وزيرًا للصحة عام 1403هـ زار مستشفى الصحة النفسية في الطائف (شهار) وقابل الشاعر حمد الحجي نزيل المستشفى.. قال: إنه وجده في غرفة مظلمة طليت جدرانها بالسواد وعندما تحدث معه وسأله بعد ذلك ماذا تريد أو ماذا تطلب قال: أريد سيجارة. فقال القصيبي في ذلك قصيدة مؤثرة تقول أبياتها:
عندما زرته
في المكان الذي
صبغت كل ألوانه بالسواد
كان في غرفة باردة
وأساريره
جمرة خامدة
قلت (ماذا عن الشعر؟!)
فارتدت النظرة الشاردة
أومضت لمحة
ثم عاد الرماد
قال: (جف المداد)
قال: (أشكوا لوني والسهاد
هل لديك الدواء؟)
قلت: (لا! يا حمد!)
ليت عندي الشفاء
كلنا من ضحايا العناء
كلنا نشتكي
دمع أيامنا الجاحدة
قلت (ماذا تريد؟)
قال... (واحدة!!)
قمت من عنده
حاملاً في دمي
كل حزن المكان الذي
صبغت كل ألوانه بالسواد
... ... ...
محاضرة ألقيت على طلاب وطالبات جامعة اليمامة ظهر يوم الثلاثاء 1 - 3 - 1441هـ الموافق 29 - 10 - 2019م
** **
ab-yarb.kashami@htmail.cm