سهام القحطاني
«لدينا عقليات سعودية مبهرة ورائعة جدا ومشّرفة وخاصة في جيل الشباب، طاقة قوية شجاعة، ثقافة عالية، احترافية جيدة وقوية جدا».
ولي العهد محمد بن سلمان.
.......
لماذا نتعلم وكيف نتعلم؟ فالقيمة دون واقع ممثل لنهضوية مميزة تتجرد من رمزيتها الفاعلة.
وكلما تقدمت التجربة والخبرة المعرفية تطور في ضوئهما مفهوم التعليم وأهدافه وغايته ليتجاوز «القراءة والكتابة» إلى مواكبة استراتيجيات المجتمع المعرفي وخلق عالم تعليمي ذو طابع إبداعي رقمي يحول الطالب من متلقِ إلى فاعل تكويني قادر على الإبداع والتدريب وإنتاج المعرفة الرقمية بكل مستوياتها وخوض التنافسية في أرقى درجاتها لترسيخ أسس تنموية لطاقة علمية مستدامة.
لكن هل هذه هي «ثقافة التعليم التي تسيطر على وعينا الجمعي».؟
أقصد «بثقافة التعليم» «طبيعة الوعي سواء في مرتبة الفرد أو الجماعة» التي تدفعنا إلى الإيمان بأفكار وإجراءات لها طابع خاص أو تتحكم في صناعة تصورنا الثقافي لقيمة المفاهيم وغاياتها، أو ما نسميه ثقافيا «بالعقل الجمعي».
وبذلك فإن ممثل «قيمة التعليم-لماذا نتعلم-» وغاية الفائدة الإجرائية-كيف نتعلم»، يتحركان في ضوء طبيعة الوعي الجمعي الحاصل الذي يشكل «ثقافة التعليم» في المجتمع، تلك الثقافة التي تعيق البرامج التعليمية التنموية التي تسعى وزارة التعليم إلى تطبيقها في المدارس بكافة مراحلها.
يرسل الآباء أبناءهم وبناتهم إلى المدارس من أجل تعليمهم «القراءة والكتابة»، هذه الغاية التي تتحكم في ثقافة التعليم المسيطرة على الوعي الجمعي والتي حصرت قيمة التعليم في القراءة والكتابة.
وبذلك فذهنية ولي الأمر فيما يتعلق بغاية التعليم قاصرة على «القراءة والكتابة» ثم النجاح الكمي في مرحلة لاحقة.
ولاشك أن «تحقيق القراءة والكتابة والنجاح» هدفان مهمان من أهداف التعليم لكنهما ليسا معادلين للقيمة المطلقة والغاية الكبرى التي يسعى إليها «التعليم الإبداعي».
وهيمنة هذا الفكر الذي يحصر التعليم في القراءة والكتابة والنجاح الكمي هو الذي يدفع الكثير من أولياء الأمور إلى منع أبنائهم من المشاركة في أي أنشطة إبداعية أو معرفية ظنا منهم أنها «من فروض الكفاية» ولن تعود بأي فائدة على أبنائهم والخوف من أن تعيقهم عن المستلزم الرئيس.
وهذه الذهنية التقليدية بالتتابع تنتقل إلى الطالب الذي يحصر مهمته كطالب علم في قدرته على القراءة والكتابة ثم النجاح في أدنى درجاته أو أعلى درجاته وبالتالي فهو يتجنب اكتشاف أي مصادر إبداعية داخله والعزوف عن أي مشاركات تدعم قدراته الإبداعية أو التدريبية من أجل تحقيق النجاح في مفهومه التقليدي الانتقال والتراتبية وهو مفهوم متوارث من الوعي المسيطر على ثقافة التعليم الاجتماعي.
وهذه الذهنية المتوارثة من الآباء إلى الأبناء هي التي تحصر المستقبل العلمي والتعليمي عند الطالب بالتعليم الجامعي الذي يحسبه رأس هرم الإنجاز والتفوق ثم انتظار الوظيفة الحكومية.
إن إخفاق الكثير من الطلاب والطالبات في اختبارات القدرات والتحصيلي ليس مؤشرا على قصور أساليب التعليم والتدريب داخل المدراس فقط بل وهو الأهم فشلا «لثقافة التعليم التي يتحرك في ضوئها الوعي الجمعي». وهو ما يجعل مسؤولية الإخفاق مناصفة بين الوعي الجمعي المتمثل في الأسرة والمدرسة، كما يجعل مسؤولية المعالجة مشاركة بين الأسرة والمدرسة.
ولاشك أن ثبات تلك الذهنية التي شكلت بدورها «ثقافة التعليم الاجتماعي» تعود إلى غياب تطوير الوعي الاجتماعي بالقيم الجديدة للتعليم واستراتيجياته الحضارية وعلاقاته التنموية وحصر ذلك التطوير بين جدار المدارس.
بمعنى أن هناك فجوة حضارية بين وعي الأسرة بمستجدات التعليم وتغير غايته وبين البرامج التعليمية النهضوية المطبقة في المدارس.
ومسؤولية عملية تطوير الوعي الاجتماعي نحو «ثقافة التعليم» تقع على عاتق وزارة التعليم، فلابد أن تكون هناك برامج لتغيير رؤية العقل الجمعي لغاية التعليم ومستجداته النهضوية.
فمهما عظمت البرامج التعليمية النهضوية التي تضخها وزارة التعليم للمدارس ومهما بذلت المدارس من فاعلية تطبيقية، في ظل غياب الوعي الاجتماعي بقيمة تلك البرامج وأهميتها وفائدتها على مستوى الطالب والأسرة لن تتحقق القيمة المرجوة من تلك البرامج.
فالقفزة التطويرية للتعليم ليست مجرد قرار وبرامج إنما «منظومة توعوية شمولية تبدأ من الأسرة ثم المدرسة فالوزارة» لكن اقتصاص طرف مهم من تلك المنظومة-الأسرة- يقلل من مساحة النجاح لأي برامج تعليمية تسعى الوزارة إلى تطبيقها في المدارس ويُبطل تأثيرها.
فضمان نجاح أي تجربة تغيير يجب أن يبدأ من العمق «الوعي الاجتماعي» لأنه شريك فعّال في تحقيق غاية تلك التجربة وهذا تحدٍ في ذاته، فالطالب ليس فردا بل هو ممثل لوعي جمعي.
فالأسرة هي المعني الأول لفهم واستيعاب الحركة الإصلاحية التي يخضع لها التعليم في ظل رؤية 20-30 قبل المدرسة حتى تستطيع التحول إلى شريك فعّال في تنفيذ الإصلاح التعليمي من خلال تلك البرامج التعليمية. تلك البرامج التي تسعى إلى توطين التعلّم والتدريب والتنمية، هذه الثلاثية البعيدة دلالة وغاية عن الوعي الاجتماعي، هي التي تحقق إنتاج «مجتمع المعرفة» كقيمة مضافة للإبداع والابتكار وجودة التنافسية العالمية، وهذه المصفوفة هي التي تخلق «قوة التعليم النهضوي». فأعظم المجتمعات المعرفية اليوم هي التي استطاعت بوعيها الجمعي بمشاركة برامجها التعلمية أن تتجاوز «مفهوم التعليم إلى مفهوم الإبداع التعليمي».