ما زالت الرأسمالية تهيمن على المشهد العالمي سياسياً واقتصادياً ونحن في القرن الواحد والعشرين وهي تنظر إلى الأمام دون الالتفات إلى الوراء فليس هناك ما يعوّل عليه في الخلف لأنه نتاج مستهلك لا تنفع رؤيته للمستقبل هكذا يرى الأمريكيون والإسرائيليون بشكل عام عندما يكون هدفهم الفردوس الأرضي وإنما قصد الدكتور عبدالوهاب المسيري في كتابه (الفردوس الأرضي) والذي كتبه في سبعينات القرن الماضي أن الحياة عندهم هي وليدة اللحظة وأن سعيهم إلى الأهداف التي يرونها غنيمة لا بد من الوصول إليها وتحقيقها مهما كانت العوائق فهي فلسفة الإرادة المطلقة كما يقول أي حتى وإن كان بالطريقة المكيافلية فهو فردوس أرضي يجب الاستحواذ عليه والهيمنة دون النظر إلى الخلفية التاريخية فهي نظرة براغماتية بحتة تعني الربط بين النظرية والتطبيق والدكتور المسيري يضرب مثل على الأمريكيين والإسرائيليين للتشابه الكبير بينهما كدولة حديثة ومجتمع حديث لا يرون للتراث التاريخي بعداً إستراتيجياً يحقق الأحلام، وبما أن الشعب الأمريكي خليط من مهاجرين أوروبيين بروتانيين وغيرهم قد استوطنوا أرضاً بكراً فهم من أعراق وقوميات شتى وكذلك الإسرائيليون حتى وهم أغيار أيضاً حينما جلبتهم الصهيونية من كل أنحاء العالم بتغير ألوانهم وطبائعهم إلى أرض فلسطين أرض الميعاد كما يرون يحدوهم القاسم المشترك بينهم وهو الدين كيهود لذلك ليس هناك تاريخ يبدأون منه وليس هناك تاريخ قد انتهوا منه، فالأمريكان قد أعلنوا استقلالهم من بريطانيا سنة 1776م أي قبل قرنين ونصف فقط والإسرائيليون بدأوا بتل أبيب في أواخر الأربعينيات ووصلوا إلى حدودهم هذه بعد حرب 1967م أي منذ خمسين سنة فقط! فأي تاريخ يستند عليه يكون في هذه المدة الزمنية القصيرة؟! والتاريخ الذي يقصده المسيري ليس التاريخ العام فقط، بل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحمل في طيّاته السياسة الداخلية والخارجية وتقلباتها وحوادثها وعلاقاتها واقتصاد الدولة عبر تاريخها ومشاكلها المالية وتجارتها وطرقها وأسواقها والعادات والتقاليد والتركيبة السكانية الديموغرافية فهي التي تبني الأيديولوجيا بكل أشكالها وأنواعها على مدار الزمن والمسألة التاريخية ذات أهمية حتى للتكنلوجيا التي لا غنى عنها وكأنها العقل المدبّر الذي يسيّر الخطط نحو النجاح فبدونها لا تستطيع التكنلوجيا الانتصار والنجاح لكونها ناقصة دون قراءة ولذلك يخالف المسيي البراغماتية مخالفة شديدة في ذلك بحيث يرى أنها نظرية نفعية وقتية وقد تخسر معاركها في أي لحظة لأنها فلسفة عمليّة تعيش في وسط شعوب طوباوية تحاول أن تجعل أرضها فردوس أرضي ومدينة فاضلة وبكل الطرق المشروعة منها وغير المشروعة لذلك لا يمكن الاعتماد عليها في ظل الظروف الراهنة ويدلل على أن التاريخ مهم في استيعاب العدو بشكل كلي وذلك عن طريق المعرفة الكلية للتكوين الأيديولوجي حتى يكون نجاحك تفوقاً حقيقياً بإستراتيجية لا تقبل الخسارة ودلل على ذلك بالحرب الأمريكية في فيتنام فالبنتاجون معقل التفوق الإلكتروني العسكري على مستوى العالم لديه كل الإمكانيات العقلية والآلات والمعلومات بأدق التفاصيل في فيتنام فهنا لا تتوقع نسبة الفشل ولو بقدر ضئيل بقدر ما تتوقع النجاح بأعلى احتمالية ممكنة ولكن الحقيقة هي أن الانتصار أصبح حلماً للأمريكان وقد رأينا صور ذلك عبر المشاهد الدرامية على شاشة هوليود لماذا؟ لأن الرؤية التاريخية الشاملة التي كانوا يجهلونها ليست من قاموس البراغماتية التي يتبنونها لذلك هم لا يعرفون تاريخ الإنسان الفيتنامي وتكوينه الفسيولوجي وتدرجه التاريخي الأيديولوجي والآلة الصماء لا تستطيع أن تدرك ذلك وتقوم به مقام الإنسان فكان الفشل من نصيب أعتى قوة لمهمة هي أشد سهولةً من أي مهمة أخرى .... يتبع
** **
- أحمد السبيت