الحكاية وحدها، ستكون مدخلا، لتوصيف (حبكة المعنى/ فلسفته)، المؤسسة لنظريته، الممتدة في تراث الأمم، وصولا إلى مدارسها الألسنية المعاصرة، فـ «المعاني الملقاة على قارعة الطريق»، أحد فروض نظرية المعنى في تراثنا العربي، التي كان أحد المؤسسين لها عمر بن بحر، التي أمدت العلوم في عصره بالتطور، والمعرفة بالقوة، لذا وصف الفيلسوف «فرانسيس بيكون»، المعرفة بأنها قوة، فلقد أصبح «الناتج المعلوماتي»، من أهم المقاييس الحضارية للمجتمعات ما بعد الصناعية، ما يجعل من فلسفة العلوم اليوم في مرحلة جديدة، كان الفيلسوف المصري، «مراد وهبة»، في مؤلفاته، من أبرز من أعاد التحاور مع (المرحلة) الفلسفية، بدءا بالديالكتيكية، للإجابة على التساؤل الرئيس: ما هي فلسفة الفلسفة في المرحلة التي يشهدها الإنتاج العالم؟ لذا ربط «ديكارت»، بين التفكير والوجود.. فأنا أتفلسف: أنا موجود! وجودا علميا ومعرفيا وحضاريا على الخارطة الوجود.
لذا فإن فلسفة البيئة الاتصالية الجديدة وبنياتها المعولمة، بمختلف مسارات إنتاجها المتدفق، بديناميكيتها (الاستهلاكية)، عبر زمنها (التزامني/ ألا تزامني)، الذي يصفه (ديراج ميرثى)، بالزمن «الميديا تيكي»، يؤكد على أن فلسفة العلوم أمام وظائف مرحلية، وأن للفلسفة فلسفة جديدة، أكدها محمد الجابري، ومراد وهبة، وابو يعرب المرزوقي وغيرهم.. من فلاسفة مشرقيين ومغاربة، منطلقها الدور النهضوي الحضاري للفلاسفة، بوصفه الدور الطليعي الذي تنتظره المجتمعات عامة، والعربية خاصة، ليكون هذا الدور الفلسفي أول خطوات الميل لمواجهة التبعيات الثقافية، وأول خطوط الإنتاج المعرفي، كما تصفه عواطف عبد الرحمن في كتابها: «التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث»؛ فالتدافع الحضاري بين الأمم، يحركه بالضرورة البنى العلمية والقوى المعرفية، التي كان من أوائل من قرأ مكوناتها، «توماس. ص. كون» في كتابه: «بنية الثورات العلمية»، 1962م، إذ ظلت بنياتها في تشكل مستمر، إلى أن أصبح العالم من ثلاث كتل: منتج، مسوق، مستهلك!
لقد واصلت العلوم الجديدة ظهورها، متفرعا في أطراف ثوراتها معارف «سائلة»، كأول سمات مرحلة ما بعد الحداثة، التي استقرأ جوانب منها - على سبيل المثال - عالم الاجتماع البولندي «زيجمونت باومان» في مجموع مؤلفاته، لنجد أننا على قارعة الطريق من جديد، في بيئة جديدة، تؤسس امتدادا مرحليا لنظرية «المعنى»، في دورته الحياتية، عبر فلسفة علمية، ومعارف سائلة! أول (الظاهراتية) فيها «التشبيك»، بين ثلاث حتميات: الاجتماعية، التكنولوجية، المعلوماتية!.
* إن استعادة الفلسفة (منهجيا) من خلال مقررات «التعليم»، تعني إعادة التأسيس لقيم الإنتاج المعرفي، إذ لا فلسفة دون بحث «علمي»، ولا بحث علمي دون تفكير «فلسفي» ناقد!
** **
- محمد المرزوقي