د. عبدالرحمن الشلاش
الحكمة تقتضي التعايش مع أحداث الحياة المتغيرة والمتقلبة بمرونة فائقة، والتعايش مع الأحداث يقتضي ألا يقف الإنسان عند أحداث معينة يقلبها كل ثانية، يتمعن فيها يظل حبيسًا داخلها لأن في هذا الفعل تعطيلاً وإيقافًا لعجلة الحياة عن الدوران. حدث حزين يتمثل في فقد عزيز لن يعود، أو خسارة حفنة من المال، أو انقطاع العلاقة مع شخص كنا نظنه وفيًا، أو فقد فرصة لاحت فجأة كل هذه الأحداث رغم أهميتها لا تعني أن نتوقف عندها طويلاً لنذرف دموع الحزن، بل لا بد أن نمضي في مشوار الحياة، فقد نصادف أفضل مما فقدناه بكثير. كل يوم لا بد أن نفتح صفحة جديدة نسطر فيها أهدافًا جديدة، ونرتب طموحات مختلفة مستفيدين من تجارب الماضي، حتى الإنجازات والنجاحات مهما بلغت يجب ألا تثنينا عن تحقيق المزيد.
قصة ثرية في تفاصيلها عميقة في معانيها ليست من نسج الخيال بل من واقع الحياة الذي نعيش دوامته فتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي طرد من المدرسة بعد أن حكم عليه بالفشل وحاول سبعة آلاف محاولة قبل أن يخترع المصباح. كثيرة هي القصص الملهمة لملايين الكبار والشباب. الجندي الذي أصبح أستاذاً جامعياً بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه. حارس الأمن الذي أصبح وزيراً بعد مشوار طويل من الفشل والنجاح، إنها ببساطة صفحات جديدة يفتحونها كل يوم لتقويم ما فات والتخطيط لما هو آت.
أقلب الصفحة وافتح صفحة جديدة لتكتب فيها من أول السطر حكاية جديدة ربما يكون بين ثناياها تفاصيل جميلة تخفف كثيرًا من ألم الماضي. مواقف تحدث للبعض قد تكون أقل ألمًا بل ربما بعضها تافه لكن تجدهم لا يستطيعون تجاوز تلك المواقف بل إنهم يقعون أسرى داخل تفاصيل تلك الصفحة وأحداثها ولا يستطيعون المبادرة بقلب الصفحة لكتابة سطور جديدة. صديقان يتشاجران نتيجة لاختلاف في وجهات النظر وفي نفس اللحظة يتصالحان بمبادرة من أحدهما نتيجة لأنه إنسان إيجابي ينظر لمزايا صاحبه أكثر من تدقيقه في سلبياته، لذلك هناك من يتجاوز عن إساءة، ومن يصفح عن خطأ، ومن يغفر زلة لسان ومن يمحو بمحض إرادته سلوك أرعن استهدفه شخصيًا وهناك من يغض طرفه عن كثير من الحركات غير اللائقة، مثل هذه النوعيات الجميلة تجدهم أقدر الناس على التعاطي مع كل الأحداث وأكثرهم مرونة لأنهم يدركون أن نقل أحداث اليوم الصغيرة والتافهة أو التجارب غير الناجحة يعني تعطيل الغد لذلك يبدؤون اليوم الجديد بصفحة بيضاء يكتبون فيها من أول السطر عبارات قد تكون أكثر جمالاً وأعمق مدلولاً ذات هدف ومضمون، من الحكمة ألا نتوقف في محطة فشل أو إخفاق بل نلملم أنفسنا لنمضي من جديد بعزيمة أكبر.