سلمان بن محمد العُمري
كف الأذى واجب والإحسان إليه فضل، وهناك من الناس كف أذاه وبادر بإحسانه وهو من الموفقين، وعلى العكس من ذلك من طال جيرانه أذاه ولم ير أحد خيراً منه قط فلا سلموا منه قولاً ولا فعلاً نسأل الله العافية.
وهذه الأحوال المتبانية ليست بجديدة في عالم الإنسانية، ولذا فقد حث الإسلام على الإحسان إلى الجار ونهى عن أذاه، قال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ، وفي صحيح مسلم عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»، وفي رواية فليكرم جاره، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، وجاء في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي صل الله عليه وسلم: يا رسول الله إنّ فلانة تقوم الليل وتصوم النَّهار، وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا خير فيها، هي من أهل النار، وقالوا: فلانة تصلي المكتوبة وتصَّدَّق بأثوار ولا تؤذي أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي من أهل الجنة) «.
وأذى الجار قد يكون باللسان، وقد يكون بالبنان، وكلاهما سيان فالحديث السابق أشار إلا المرأة التي تؤذي جيرانها، وفي الغالب فإن أذى النسوة يكون باللسان، ولا فرق بين المرأة والرجل في التكاليف والنواهي.
والخير ولله الحمد لايزال في مجتمعنا في الإحسان إلى الجيران وكف الأذى عنهم وهناك من المحسنين قولاً وعملاً مع جيرانهم، ويحب لجيرانه ما يحب لنفسه من الخير فتجده سباق لفعل الخيرات، وحثهم عليها وإرشادهم لها في مصالحهم الدينية والدنيوية فإن رأى خيراً أرشدهم إليه، وإن كان شراً حذرهم منه، ولا يكتفي بالصدقة والإحسان بل يتعدى ذلك إلى زيارة مريضهم ودعم فقيرهم ومواساة من أصابتهم مصيبة ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ومن هذا حاله فإنه يغلب عليه عدم الإساءة ويتعدى ذلك إلى تحمله ما يقع من بعض الجيران من أخطاء وإساءات، وهذا قمة مكارم الأخلاق فهولا يصل من وصله ويقطع من قطعه بل ويصبر على من آذاه وظلمه ويبادله بالإحسان والجميل.
ومن الصور الجميلة التي تستحق الذكر والشكر لبعض الجيران المحسنين ما رأيته وسمعته من قصص جميلة ومنها:
* أحد الجيران المحسنين ممن أنعم الله عليه بخير وفير في كل صيف يقوم بتوظيف مجموعة من أبناء جيرانهم في شهور الصيف في مؤسساته، ويقدم لهم مكافأة على عملهم ويعطيهم الأولوية.
* أراد أحد الجيران طلاء منزله فأحضر أغطية بلاستيكية لسيارات الجيران المحيطة بمنزله حتى لا تتأثر السيارات برذاذ الدهان حفاظاً على سياراتهم ودون طلبهم، وفوجئوا في الصباح بهذه الأغطية.
* جار تعرض جاره لأزمة مالية حادة ترتب عليها أن يستغني عن السائق والخادمة في منزله فما كان من جاره إلا أن أحضر لجاره خادمة على حسابه الخاص وتحمل تكاليف استقدامها والتبرع برواتبها لمدة عامين وحتى يغني الله جاره.
* شاب في مقتبل العمر يسكن في عمارة تمليك وينقطع الماء فكان يبادر إلى جلب «وايت» ماء وقد يصل في الشهر لأربع مرات وعلى حسابه الخاص، ولا يطلب من جيرانه في العمارة مقابلاً، وقد أثر هذا العمل الطيب في بقية الجيران حتى خصص مبلغاً شهرياً لهذا العمل.
* أحد المزارعين يخصص من إنتاج مزرعته لعدد من أقاربه وجيرانه قسمة مما تنتجه.
والقصص والشواهد كثيرة على أعمال البر والخير، والمعروف مع الجيران، وفي المقابل هناك حالات سلبية لا ترضي الله سبحانه وتعالى. نسأل الله العافية ولا ترضي خلقه، فحتى في الجاهلية كان من المعيب الإساءة للجار ومضايقته في حلاله أو في أهله أو في عرضه.