وصف المؤرخ الأمريكي الدكتور وليام بولك المملكة أنها متحف ضخم ومفتوح لتراث حضارات متعاقبة عبر آلاف السنين.
ويعد المؤرخ والمستشرق الأمريكي وليام بولك أحد أشهر المؤرخين، ومكث في عدد من الدول العربية فترة طويلة باعتباره صحفيا ودبلوماسيا وباحثا، واستطاع خلال هذه الفترة أن يجمع تاريخ المنطقة العربية خاصة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد زار الدكتور وليام بولك (88 عاما) المملكة مؤخرا بعد زيارة لها قبل 50 عاما وكتب مقالا عبر فيه عن دهشته لما تزخر به المملكة من إرث تاريخي وما شهدته من تطور حضاري.
شملت زيارة المؤرخ الأمريكي مدائن صالح، كما زار مدينة الرياض وتجول في المتحف الوطني وسوق الزل والدرعية التاريخية وغيرها من المعالم.
ويشير في مقاله إلى أن المتحف الوطني بالرياض صرح عمراني حديث مكرس لعرض التراث، يتميز بتصميم جميل ينقلك بسلاسة من مرحلة إلى أخرى.
ويقول: «المتحف الوطني يشبه إلى حد كبير المتحف التراثي الجديد في أثينا، فالصالات واسعة ومصممة بذوق رفيع يعكس جمالية القطع ورونقها مجموعة من المخطوطات والنقوش والرسومات الصخرية التي تحكي قصة الجزيرة العربية من تحت البحار عبر المروج الخضراء انتهاء بالصحراء، كانت تجربة آسرة.. نعم، «آسرة» هي الكلمة المناسبة لوصف المتحف، ولكن ليس لوصف الجزيرة العربية التي انفصلت من أفريقيا بموجب القوى الجيولوجية ليفصلها البحر الأحمر، فمنذ أن كنت طالباً في الجامعة، وجد علماء الآثار من كافة أنحاء العالم دلائل تشير إلى أن هناك آثار لمستوطنات في الجزيرة العربية تعود إلى ملايين السنين، وكانت المستوطنات بمثابة محطات على الطرق التي سلكها الأوائل باتجاه الشمال الغربي عبر بلاد الشام إلى أوروبا، وباتجاه الشمال الشرقي عبر بلاد ما بين النهرين إلى وسط آسيا وشرقاً نحو جنوب وجنوب شرق آسيا، ونظراً لبقاء بعض الرحالة واستيطانهم في المكان، أظهرت الدراسات الحديثة وجود آثار لاستيطان مستمر على امتداد العصر الحجري القديم والحديث، وفي بدايات هذه الحقبات، كانت صحاري اليوم عبارة عن أودية خضراء وبحيرات غناء تظهر آثارها جلية على الرسومات والنقوش في مدائن صالح التي تشرفنا بزيارتها بعد يومين من وصولنا.
ويضيف: «الجزيرة العربية هي متحف بحد ذاتها، النقوش والآثار في المواقع الأثرية لا تعكس التطور الاستيطاني في المنطقة من أواخر العصر الحجري الحديث مروراً بالنبطية وانتهاءً بعهد ما قبل الإسلام (الجاهلية) فحسب، وإنما تعكس الطريقة التي استطاعت فيها المجتمعات أن تنتقل من منطقة إلى أخرى، وأن تمتد لتصل إلى المناطق المجاورة، وقد تم تصميم المتحف الوطني ليسلط الضوء على هذه التجربة الإنسانية الطويلة، وهو تصميم جميل ينقلك بسلاسة من مرحلة إلى أخرى، وتشير معروضات المتحف الوطني إلى أنه قبل 5000 سنة قبل الميلاد كانت التجارة حاضرة بين الخليج العربي، ونهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين ونهر النيل، وخلال تلك السنوات، نهضت الثورة الزراعية في الهلال الخصيب وقابلتها النهضة التجارية الدولية في الجزيرة العربية، وفي الشمال قبل حوالي 800 قبل الميلاد كانت حضارة ديدان التي تمركزت في بلدة العلا لتحل محلها حضارة النبطيين الذين قاموا بحفر معالمهم الخلابة على الصخور الرملية في واجهات الجبال بمدائن صالح، والتي يمكن أن ترى مثيلاً لها في مدينة البتراء بالأردن، وقد ورد ذكر هاتين الحضارتين في القرآن الكريم، ولكن حتى قبل قرن من الزمان لم يكن أحد يعلم عن هاتين الحضارتين سوى اسميهما، واليوم تمكن علماء الآثار من اكتشاف الكثير عنها.
كان المؤرخ الأمريكي الدكتور وليام بولك قد زار المملكة في عام 1972، حيث قام برحلة على ظهر الجمل في صحراء المملكة، وقف فيها على المواقع التي وردت في قصيدة للشاعر لبيد بن أبي ربيعة. وفيما بين الرحلتين من سنوات امتدت لأكثر من 46 عاما يتحدث عن رحلته الأخيرة للرياض قبل نحو شهر وما شاهده من فروقات هائلة وتطور كبير في المملكة. يقول: «أعود إلى تفاصيل العودة إلى الرياض بعد نحو 45عاماً من الرحلة، فخم لا مجال لمقارنته بالف الدكتور وليام بولك مرتديا الشماغ
نادق عندما زرت السعودية لأول مرة في الخمسينات من القرن الماضي، حيث كانت الفنادق أشبه ما تكون بالنزل الموجودة في غرب تكساس، كانت بدائية إذا جاز التعبير، واليوم، ها هي سلاسل الفنادق العالمية الفارهة تنتشر في المملكة، ومن المؤكد أن التناقض بين الفندقين منحنا معياراً معمارياً في مقابل المعيار الصحراوي الذي عشته على متن الجمل، وبدا لي، وكأن السعودية قد قفزت «القرن العشريني القصير» لتصل إلى القرن الواحد والعشرين بكل ما فيه من تمدن وتطور.
ويضيف: «في صباح اليوم التالي عدنا إلى الجزيرة العربية القديمة التي أذكرها. عندما ذهبنا إلى السوق الشعبي (سوق الزل)، عندما زرتها لأول مرة في الخمسينيات كانت مليئة بكل ما يحتاجه البدو من حبال وحبوب وتمور وأقمشة والفروات، التي يرتديها البدو عند الركوب والنوم والجلوس خلال فصل الشتاء البارد، ولكن اليوم، تطورت هذه الفروات إلى لباس عصري متقن ومزينة بخيوط الذهب والفضة، وبالتالي تطور السوق أيضاً، المشهد العام للسوق يختفي تحت التدفق الضخم للمباني الحديثة، إلا أنه تم الحفاظ على القصر الطيني للملك عبد العزيز آل سعود (قصر المصمك)، والذي بني في القرن التاسع عشر، وتمت إضافة الملاحق إليه لاحقا. كما أجريت عليه بعض الإصلاحات لتحديثه، وتم تزويده بأحدث التقنيات لفن العروض التفاعلية وعرض فلم تمثيلي فتح الرياض من قبل الملك عبد العزيز ورجاله.