د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في كتاب لعالم المصريات دونالد وودفورد عن مصر وكنعان وإسرائيل توقف عند تلك النقلة، الغربية، والسريعة التي جعلت مصر تنتقل من مرحلة قديمة ذات نمط معين وبسيط، إلى مرحلة تقدم اجتماعي وسياسي واقتصادي هائلة في فترة وجيزة في عمر التاريخ المقدرة بنحو مائتي عام، والحقيقة أن بعضاً من الحضارات، أو التقدم التي تشهده دولة أو منطقة تجد منطلقاً من عامل ما قد يكون ظاهراً للعيان وملموساً، أو يكون خفياً يحتاج إلى بحث وطرح نظريات، لاسيما في الزمن ما قبل التاريخ.
منذ ستة آلاف عام قبل الميلاد، أي ثمانية آلاف عام قبل زماننا هذا، اتخذ قوم يقال لهم السبيليين يرجعون إلى عصر ما بعد الحجري القديم، أرض مصر على ضفاف النيل مستقراً لهم، وقد سبقهم أقوام في الشمال وفي الجنوب، وكان الإنسان آنذاك يقتات مما يقوم به من قنص للحيوانات بأدواته الحجرية، أو صيد السمك، أو التقاط ما يسقط على الأرض، من بذور وخلافه.
بعد انتهاء حقبة السبيليين، لوحظ ظهور تجمعات قروية بسيطة تعتمد في الحصول على قوتها كما كان يفعل من سبقهم من خلال القنص والصيد والالتقاط، بأدوات حجرية بسيطة، أو ربما العظام بدرجة أقل، استمروا على هذه الحال آلاف السنين في أوقات سابقة.
وفي الشمال من مصر كان الإنسان قد اهتدى إلى الزراعة في فلسطين، وسوريا ولبنات ووادي الرافدين، قبل نحو عشرة آلاف عام، وسماها العلماء الثقافة الناتوفية نسبة إلى اسم موقعها، وكان ذلك الإنسان، إنساناً عاقلاً يمشي على رجليه، دقيق الجسم وله رأس مستطيل، ولا يمكننا أن نغفل احتمال ترشح معرفة الزراعة إلى مصر من الشمال إلى الجنوب، غير أن الآثار لم تظهر أي مؤشرات للاهتداء إلى الزراعة قبل ثمانية آلاف عام أو بعدها حتى بثلاثة آلاف عام، لكن وكما يقول دونالد وودفورد أن المصريين لم يكترثوا للزراعة، وظلوا قناصين صيادين لقاطين، وهذا ما لا يراه بعض علماء المصريات لاسيما علماء مصر.
يرى دونالد وودفورد أن التدفق السكاني إلى مصر، قد قدم من الجنوب أي إفريقيا إلى الشمال أي من إفريقيا إلى مصر في العصر الحجري الحديث، مستدلاً على ذلك ببعض الصفات الجسيمة، والثقافة السائدة، ومن ذلك شكل الرأس والجسم، أما الثقافة المشتركة بين مصر وإفريقيا في ذلك الوقت كما يراه العالم ردفورد، فمنها صناعة العاج، وصنع أدوات الفخار وزخرفتها، والتباهي بالأرداف.
الحقيقة أن التباهي بالأرداف كان سائداً في إفريقيا والمنطقة العربية، ولا أحد يعرف هل اتجه هذا التباهي من الجنوب إلى الشمال أو العكس، أو قد يكون هو الأقرب غريزة إنسانية، ولعلنا نومئ إلى ما يزخر به الشعر العربي، في الجاهلية وصدر الإسلام وما تلاه، يقول جميل بثينة:
ترى الزلَّ يلعن الرياح إذا جرت
وبثنة إن هبت لها الريح تفرح
أي أن بثينة اذا مشت مع الزلَّ أي الفتيات اللاتي بلغن الحلم وتتراوح أعمارهن بين الخامسة عشرة والعشرين فإنهن لا يردن الرياح، حتى لا تتباهي عليهن حبيبته بثينة بكبر ردفها، والآخر يقول:
إذا ما الزلَّ ضاعفت الحشايا
كفاها أن يلاذبها الإزاد
أي الملابس التي توضع على الأرداف لتظهر كبرها، وهو ما لا تحتاجه حبيبته والمعنى واضح، وبالغ آخر، فقال:
لها ردف تعلق في قضيب
وذاك الردف لي ولها مظلوم
يعذبني إذا فكرت فيه
ويظلمها إذا رامت تقوم
أي أنه متعلِّق في خصرها النحيف، وندع القول عن الأرداف، لنتحدث عن العامل المساعد، المجهول الذي ربما ينهض بدولة معينة، لنجد عاملاً إيمانياً مساعداً ينهض بأمة عندما أرسل الله موسى عليه السلام بالتوراة، وما فعله ودوّنه عزرا بعد النفي البابلي، وما جاء به عيسى عليه السلام من توثيق الإيمان والحث على المحبة والإنسانية، وما بشَّر به رسول الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وما حفلت به رسالة الإسلام الإيمانية من محفّزات ومبشّرات، حتى وضع القواعد للتعايش الإنساني المبني على الإيمان بالله، وكتبه ورسله والعدل بين الناس.
كانت قناعة بحار إيطالي بالوصول إلى الهند من جهة الغرب، بعد أن درس الخرائط التي رسمها الأندلسيون المسلحون وغيرهم، وإصراره على ذلك، ودق أبواب الملوك في إنجلترا وإسبانيا فتح كبير لاكتشاف قارتين عظيمتين، وقد كان لتبني الملكة إيزابيلا الإسبانية الفكرة، وتمويلها للحملة عاملاً مساعداً في الاكتشاف.
اكتشاف الذهب في كاليفورنيا، وبعد ذلك جنوب إفريقيا عامل مساعد في تدفق عدد كبير من البشر وصنع حضارة في أرض تكاد تكون بطيئة في مسيرتها الحضارية.
اكتشاف النفط في مناطق معينة، كان عاملاً مساعداً في تغيّر الوجه الاقتصادي والاجتماعي والحضاري لبعض الدول التي وجد فيها كما هي دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كما أنه كان وبالاً على بعض الدول راجين الله أن يصلح أحوالهم.
أما العلوم والكهرباء، والتلفون والطائرات والسيارات، ومن بعد الكمبيوتر والجوال، فهي عامل مساعد هائل للبشرية جمعاء إيجاباً وسلباً.