محمد بن عيسى الكنعان
خلال شهر سبتمبر من العام 2014م وقف العضو البرلماني عن طهران علي رضا زاكاني -المعروف بعلاقته القريبة من المرشد علي الخامينئي- أمام أعضاء البرلمان الإيراني، وتفاخر مبشرًا أن صنعاء عاصمة اليمن، التي استولى عليها الحوثيون بانقلاب عسكري أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران، وبذلك التحقت بقطار الثورة الخمينية مثل بيروت، وبغداد، ودمشق. وهو ما كرّره مصلحي آل حيدر وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد مطلع العام 2015م، متبجحًا أن إيران تحكم أربعة عواصم عربية، وكأنه يُعلن نجاح المشروع الصفوي بعمائم الملالي.
هذه الغطرسة الفارسية المتناغمة مع مخططات نظام الولي الفقيه التوسعية توقعت أن مشروعها الصفوي المعمم يمضي قدمًا نحو السيطرة والنفوذ الكامل على المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام، وأن العرب انتهوا إلى العجز العسكري، والشلل السياسي، خاصةً في ظل الأوضاع غير المستقرة التي يعيشها جزء كبير من الأنظمة العربية منذ العام 2011م؛ بسبب ثورات ما يسمى (الربيع العربي).
غير أن عاصفة الحزم التي انطلقت من التحالف العربي بقيادة المملكة في مارس 2015م؛ لإعادة الشرعية اليمنية، وحماية اليمن السعيد من المشروع الصفوي المدمر، قد شكّلت صدمة للإيرانيين وعملائهم الحوثيين والوكلاء الآخرين؛ لأنها عصفت بهذا المشروع قبل أن يتمركز بشكل فعلي في اليمن.
لم تنته الصدمة بعد، فموجاتها طويلة المدى، وستبلغ الأرض الإيرانية يومًا ما، لذلك فعندما توغل الإيرانيون في العراق عبر عملائهم الطائفيين في الحكومة العراقية العام 2004م؛ كانوا يعتقدون أن العراق أصبح إيرانيًا، لكن للعراقيين كلمتهم فهاهم اليوم ينتفضون، سنتهم وشيعتهم ضد وكلاء المشروع الإيراني، الذي أوجدوا بؤر الفساد السياسي والمالي، حتى عبّر المنتفضون بأصدق موقف وأوضح صورة، وذلك بمهاجمة الرموز الإيرانية في مدينة كربلاء الشيعية.
ولم يكد الملالي يستوعبون أحداث العراق حتى صفعهم لبنان العربي بكلمته الجامعة لكل أطياف شعبه، وانتفض ضد الفساد، الذي ما كان له أن يبسط نفوذه على الساحة السياسية، ويلعب بالورقة الطائفية لولا التدخلات الإيرانية من خلال عميلهم (حزب الله)، فلم يتردد دجال المقاومة من فضح عمالته، فراح يهدد ويتوعد المحتجين، وكأن قلبه على وحدة لبنان، بينما الواقع أنه يرعى المشروع الإيراني منذ تأسيس الحزب.
موجة تلو موجة ربيعية من شعوبنا العربية الحرة الأبية بدأت من اليمن السعيد، ومرّت بالعراق العظيم، وانتهت إلى لبنان الشقيق. حتى سوريا التي يُفاخر الإيرانيون باحتلالها لم تعد تتقبلهم، فالأسد أصبح تحت حماية الطيران الروسي، وليس الحرس الثوري الإيراني.
هذه الموجات العربية التحررية من المشروع الإيراني ووكلائه في الحكومات والبرلمانات لم يقف صداها في ميادين عواصم تلك الدول وشوارعها، أو يبلغ مداها حدودها وسواحلها، إنما ألقت برسالة واضحة، وإن كانت غير مباشرة إلى الشعب الإيراني، مفادها إن كانت إيران تُعرف بـ(بلد الفصول الأربعة)؛ نظرًا لتنوع تضاريسها، وتفاوت مناخها، واتساع جغرافيتها، فقد بدأت فصولها الحقيقية الآن، فالنظام الإيراني استقبل خريفه قبل أيام، والحرس الثوري يقاسي شتاؤه، والشارع الإيراني يعيش صيفه الملتهب بالمظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت في أكثر من 20 مدينة وبلدة، وهي تتسع لعلها تتجه إلى طهران؛ حيث يبحث الشعب الإيراني عن ربيعه الفارسي، وكأنه يستعيد الذاكرة الشعبية عن ثورته التي اختطفها الملالي العام 1979م.