شريفة الشملان
لا بد لنا من الرثاء حد تقطع الأنفاس على وضع بعض المدارس لدينا. لا ندري هل نرثي القتيل أم نتحسر على حياة القاتل كيف سيعيشها، هو محمي بنظام الأحداث، بمعنى لا يُقتل لكنه سيمضي جُل عمره سجينًا، ستلاحقه تلك الجريمة أبد الحياة؟
أحداث تناول السلاح بالنسبة لهم أسهل من تناول كأس ماء. لم يكن بخاطري مقال يتناول العنف في المدارس؛ فالمدارس وُجدت للتعليم والتهذيب، للأدب والعلم.. لبناء المستقبل لا تدميره.
شيء مؤلم ونحن الذين تعلمنا احترام المدرسة والعلم، والوقوف للمعلم.. كان المعلم بالنسبة لجيلنا هو المصلح الاجتماعي، وهو المرشد في المكتبة، هو في عمل دائم حتى وهو يبتاع ما يحتاج إليه بيته. نجد البقال يسأله، واللحام.. لا يضاهيه إلا مَن كان محاميًا أو طبيبًا. وبما أن الطبيب لم يكن ابن مدينتنا؛ لذا كان المدرس هو الأول الذي يسلِّمه أهلنا «حشاشة روحهم».. ما يقوله المدرس هو الصواب، وما ينهى عنه هو غير المناسب.
كنا نخلي الطريق عندما تمرُّ معلمتنا أو المديرة، نقف قُرب الجدار.
ما الذي حدث؟ ما الذي جعلنا نسمع كل يوم ضحية، طالبًا يخنق زميله حتى الموت، وآخر يشهر السلاح بوجه معلم، ولي أمر يدخل على مدير في عمق إدارته لا ليناقش ما دُرس وما عُمل، وكيف تسير العملية التربوية، ولا المناهج.. بل يدخل والشرر في عينيه، يهدد، وقد يكون السلاح أقرب، وصوته هو الأعلى..
السؤال الذي ملأ الكون: ما الذي أوصلنا لهذه المرحلة؟ وكيف؟
قد نقول (صغار مراهقون)، المراهقون ليسوا دائمًا أشقياء.. يقال إن كل مراهق ومراهقة عرب هم أساسًا مشروع شاعر.. فما الذي جعل البعض مشروع مجرم؟! لعل الذين صفقوا للأب الذي تنازل عن دم ابنه المخنوق يعضون أصابع الندم. أصبح باب العفو والتنازل مواربًا للمراهقين، قُبلة على الرأس، ورمي العقال، وتدخُّل العائلة والقبيلة، ومن ثم تنازل، وينتهي الأمر!
انتهينا من أولياء الأمور والطلبة الذين لستُ أدري من أي جنس خُلقوا؟
نلتفت إلى التربية والتعليم، الوزارة ذاتها. لن أتحدث عن هيبة المعلم التي نزلت للحضيض وكيف؟ فتلك أمرها يطول.. ولن أتحدث عن ازدحام الفصول في المدارس الحكومية، حتى أن الطالب يكاد يختنق، والمعلم لا يدري كيف يسير بالمقرر.. ولا التعليمات التي ينقض أحيانًا بعضها بعضًا..
لعلي هنا أضع علامة تعجب كبيرة وسؤال كِبَر الكون: لماذا تُدفع رواتب لمدير المدرسة (تسمية القائد: تذكرني بفرق الجيش والشرطة) والاختصاصين الاجتماعيين والمراقبين، إذا لم يجدُّوا بعملهم؛ ثم تتحول المدارس لساحات حرب بين الطلبة؟!
ماذا يفعلون؟ إذا لم يسيطروا على طلاب مدرستهم فكيف درسوا وتدرَّبوا؟!.. فليكن أنهم خافوا؛ فالطلبة مسلحون ربما!! فكيف وصل السلاح لباحة المدرسة؟ وكيف وصل للمدرسة؟ هي مدرسة وليست مكان حرب وعصابات. لنفترض أن المراقبين ومجموعة الإدارة كاملة لم تستطع السيطرة عليهم فكان الواجب أن تكون أرقام النجدة والشرطة في تناول الجميع.
إدارة المدرسة إذا لم تتمكن من ضبط الأمر توجد شرطة وأمن وفرق نجدة.. بتليفون لأقرب سيارة ستكون موجودة، وطلقتان في الهواء لن تجد بعدهما سوى أحذية المتشابكين، قبل أن يسقط قتلى.
الأبناء يُبعثون للمدارس للتعلم لا للتقاتل، ومهمة المدرسة أن تحافظ على جو العلم والتعليم، ورد اعتبار المدرسة كلها من مدير وأساتذة وإدارة أهم واجبات وزارة التعليم.
تعلموا قليلاً من النرويج والسويد وماليزيا، والأخيرة دولة مسلمة، ولن أقول اليابان؛ إذ راتب المدرس يفوق راتب رئيس الوزراء.
لم تكتمل فرحتنا بفوز مدرسة الإمام النوني بجائزة اللغة العربية؛ فأطفأ فرحتنا حادث قتل طالب في محافظة شرورة (متوسطة أبو هريرة) يوم الأحد الماضي.
التعليم والصحة أهم وزارتين، ومن واجبات الدولة الأساسية تعليم جيد، وتأهيل للمستقبل، وبصحة جيدة، وربما أكثر.
المدارس الأهلية لم نسمع بها حوادث، لماذا؟
لأن الإدارة حسنة، والمدير له هيبته، وكذا الأساتذة.. لكن مَن يستطيع دفع المبالغ الطائلة التي تطلبها المدارس الخاصة؟.. تلك لها حديث يطول.
اللهم أجرنا وإياكم وكل أب وأم من حادث فتى يذهب للمدرسة ولا يعود.