د. حمزة السالم
لولي أمر المسلمين اعتبارات كلية تحتسب عند تحقيق مصالح المسلمين وإبعاد المخاطر التي تتهددهم. لذا عزل الفاروق خالداً، وقد أخضع ابن الوليد، بقيادته العسكرية الفذة، بلاد الشام لأمير المؤمنين، كما أخضع للصديق -من قبل- عتاة المنشقين من المرتدين. فأغمد الفاروق سيفاً لله، سله رسوله عليه الصلاة والسلام، بعد أن أتى للمسلمين بقياصرة الروم وتيجانها. وصدق عليه السلام وهو يصف ابن الخطاب في الحديث المتفق عليه «فما رأيت عبقرياً يفري فريه» - والفري من القطع أي حسم الأمر-. ففرى العبقري أمر افتتان المسلمين وقولهم «لا يهزم جيش يقوده خالد»، فلم يهزم خالد قط في جاهلية ولا إسلام، فخالد هو من يقلب الهزيمة نصراً.
وارتجل فارس الإسلام طائعاً وسلَّم الراية وأغمد سيفه، مأجوراً مشكوراً، راضياً سعيداً. فهذا هو حال الفرسان، فالتحمّل دون أقوامهم والتضحية لأوطانهم هو محل تمحور فروسيتهم التي استحقوا بها وصف الفروسية. فإعفاء قائد عند حصول كارثة أو حادث أو وباء أو شائعات أو أمر ما، بعد أن قد كثر كلام الشارع ولغطهم حوله، هو سياسية يتبعها حكماء عظماء قادة العلماء، من بعد الفاروق ومن قبله. وسياسة الإعفاء أو العزل هذه، غالباً ما تكون لأسباب لا يكون لها علاقة بمسؤولية القائد عن خطأ ما. فإنما غرض العزل هو لقطع السبيل على المغرض الذي يتلاعب بعقول الشارع، أو لمنع استغلال عاطفة الناس بكارثة طبيعية، أو استخفاف بحمية المجتمع في حادث اجتماعي ونحو ذلك.
فالعزل هو حفظ الشارع بقطع الطريق على المتربص المغرض بهم، وإلا فالعزل في مثل هذه الحالات قد لا يغيّر في المستقبل شيئاً، فيُستطاع بالعزل منع ما لا يمتنع من حوادث الدهر التي لا يد لبشر في التحكم فيها. وتعرض القائد للعزل والإقالة والإعفاء، هي من المهام المحتمل القيام بها في المناصب ذات المسؤولية العليا، والتي عاهد عليها ولي الأمر.
فقيادة الدول فيها اعتبارات وحسابات، لا يدركها أحد حتى يخوض غمار المسؤولية العالية. وهذا بشهادة كثير من عظماء الرؤساء، الذين اعترفوا بذلك بعد أن عجزوا عن تحقيق كثير من وعودهم التي ظنوا سهولتها قبل أن يرتقوا كرسي المسؤولية، ومن آخر من اعترف بذلك، أوباما.
والتخصص العلمي المهني من أهم عوامل النجاح المستقبلي أثناء مراحل تأسيس الكيانات في الدول التي تعتمد على علوم معقدة، وخصوصاً إن كانت تمر في مراحل تطور علمي تخصصي. فلا أقدر وأنسب من أن يقود هذه الكيانات، إلا الخبير العليم بعلومها. وشاهد هذا أن أوباما أخرج البروفسور الحاصل على نوبل في أبحاث الطاقة، من معمله وأبحاثه وجامعته ليسلّمه وزارة الطاقة في وقت إرهاصات بزوغ تغيّر في مصادرها. فلا ينفع لقيادة الكيانات المعتمدة على العلوم المعقدة والمتطورة، إلا العالم بخفايا علومها الدقيقة.
شجرة ثمرة اللوز تحتاج أضعافاً مضاعفة من السنين عن شجرة التفاح، لكي تُثمر لوزها. فالغاية العظمى والهدف الأسمى في عرف الأوطان وقادتها وفرسانها ونبلائها، هو الدفاع عن الشجرة وأرضها وأهلها واستمرار ثمرتها، وإن كان على حساب ذات الأنا القيادية.