د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذه الممارسة من أفضل ما تفعله المؤسسة التعليمية لتحسّن عملياتها ومخرجاتها، ولهذا الهدف وضعت الاختبارات لا لتكون هي هدفاً بذاتها فيتوقف المطاف عند أرقامها لا أكثر، الأرقام التي تنتجها الاختبارات هي مثل تلك التي تراها على ساعتك مثلاً لتقرأ الوقت فليس الرقم هو الهدف ولا قراءة ما هو الوقت الآن هو الهدف أيضاً وإنما القرار الذي يترتب عليه هذا الوقت فقد تتجه لعملك مثلاً أو تذهب لموعد عشاء وهكذا، قد تكتشف أنك متأخر وهذا يتوجّب عليك أيضاً قرار تصحيح وقد تكون مبكراً مما يشجعك على الاستمرار في هذا السلوك الجيد. وقد لفت انتباهي بكل شكر وإعجاب ما أصدرته وزارة التعليم الموقرة مؤخراً قبل أسبوعين تقريباً تطلب فيه من إداراتها التعليمية أن تقوم بدراسة نتائج الاختبارات التحصيلية الوطنية التي طبّقت على 18 ألف طالب العام الماضي وكذلك دراسة نتائج اختبارات TIMSS الدولية التي شاركت فيها المملكة العام الماضي أيضاً بحيث تقارن كل إدارة أداءها بمتوسط الأداء العام للمملكة ثم تحدد جوانب الضعف والقوة وتضع خطة تطويرية للأداء التعليمي. ويلي ذلك طلب التعميم أن يقوم كل مكتب تعليمي بدراسة هذه النتائج بمقارنة نتائج المكتب بالمتوسط العام وبالتالي تحديد المدارس التي تشكو الضعف لعمل خطط تطويرية لأدائها التعليمي، ثم يلي ذلك أن تقوم كل مدرسة بمقارنة نتائجها بالمتوسط العام للمدارس وتحدد جوانب الضعف والقوة ثم تضع خطة تطويرية للأداء التعليمي لأفرادها.
وأود أن أثني على هذا القرار وأؤكد أنه ممارسة نوعية وهادفة، ويشير إلى رغبة الوزارة في تجويد التعليم بكل ما تستطيعه من السبل والموارد والتوجيهات، وأود أن أشارك في هذا الجهد الطيب باقتراحات فيما يلي، فأولاً ومن المتوقع أن تكون دراسة النتائج من الأسفل للأعلى ليكون التشخيص شاملاً، فالمدرسة تبدأ أولاً ويليها المكتب ثم إدارة التعليم لأن المدرسة هي المكون الأساس ولكن ما طرح هنا هو من الأعلى إلى الأسفل، وربما ينتهي الأمر مثلاً بمن يدرس جوانب القوة والضعف على مستوى إدارة التعليم أن يلجأ إلى الحديث عن المدرسة، ومع ذلك أقول إنه يمكن أن يكون الأمر من الأعلى إلى الأسفل على المنهج المطروح وحينها سيتناول عموميات بقدر ما هو متوفر من معلومات في مستوى «إدارة تعليم» و»مكتب تعليم»، بل ربما يفيد هذا في تلافي أن تكرر الجهتان الإداريتان (المكتب وإدارة التعليم) ما تتوصل إليه المدرسة فترفعه كما هو دون أن تجتهد في تحليلات شمولية على مستوى كل منها، ومن ذلك مثلاً أن تنظر إلى نتائج كل تخصص وإلى كل مرحلة، بل يمكن أن تتناول بعض المهارات المهمة إذا كانت نتائج الاختبارات توفر مثل هذه التفاصيل، وعلى أية حال فإني أقترح أن تكون هناك جولة أخرى من تحديث خطة التطوير لكل من مكتب التعليم وإدارة التعليم بعد أن تقدم المدارس خططها لتتحقق الفائدة التي أشرت إليها في البداية.
ثانياً وحيث إنه ذكر أن مدار تحديد الضعف هو متوسط الأداء العام، فهذا غير دقيق لما سأشرحه الآن: حيث لكي تستثمر الجهود فإنه يستحسن وضع نقطتي قطع Cut Points الأولى فوق المتوسط بمسافة ما لتحديد القوة (ما هو أكثر منها) والثانية تحت المتوسط بمسافة ما لتحديد الضعف (ما هو أقل منها) وما بينهما يكون هو المتوسط، ثم ينبغي أيضاً تحديد نقطة ثالثة موقعها تحت نقطة الضعف، ويكون ما تحتها (لا سمح الله) بحاجة إلى خطة «تدخل» علاجي، وحيث إن هذه النقاط لا يمكن تسميتها للجميع على حد سواء لأن المتوسطات مختلفة بين المناطق فإنه يمكن أن ينشئ أخصائيو القياس والتقويم في الوزارة جدولاً يدرجون فيه جميع المتوسطات وما يقابل كل منها من نقاط القطع الثلاث هذه ليستهدي به من يحلِّلون النتائج في المناطق كل بحسبه، وبهذه الطريقة ستستثمر الجهود الكبيرة التي ستتم عبر أنحاء المملكة وفي كل مدرسة ومكتب تعليم بما يتناسب مع الجهد الكبير الذي بذل في إجراء وتصحيح الاختبارات الوطنية وما صرف عليها من أموال أيضاً، أشير إلى أن الاقتصار على المتوسط كما وجهت الوزارة -وفقها الله- طريقة سهلة ومباشرة ولكنها بعيدة عن الدقة ولا تعطي دلائل حقيقية لمفهومي: الضعف والقوة كما تفعله نقاط القطع، كما أنه يحصر جميع المدارس والجهات التي مستواها «متوسط» في درجة واحدة فقط هي المتوسط، بينما شمل الضعف كل ما هو تحت المتوسط (حتى لو بدرجة واحدة)، وكذلك القوة بكل ما هو فوق المتوسط، أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم بهذه الشروحات المتخصصة قليلاً في مجال القياس والتقويم التربوي ولكنها ضرورة لا بد منها فاعذروني لأني أردت أن أساهم ولو بشيء قليل.