فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من أهمية العقوبات الاقتصادية الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران إلا أن البعض شكَّك في قدرتها على إحداث تغيير جوهري في سياساتها الخارجية، أو التأثير المباشر في تمويل أذرعها الإرهابية في الخارج، ومنها حزب الله والحوثي وميليشيات متفرقة في العراق. قد يكون للعقوبات (الصورية) السابقة دور في ذلك الانطباع الخاطئ في رسم الاعتقاد الخاطئ.
كتبتُ غير مرة أن قدرة إيران على التهرُّب من العقوبات المفروضة عليها، وضمانها استدامة تدفقاتها المالية الداخلة والخارجة، اعتمدت في الأساس على ضعف آلية تطبيق العقوبات الاقتصادية؛ ما ساعدها على الاستمرار في خطها الإرهابي المرسوم لها بعناية.
أسهمت حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بشكل مباشر في تقوية نفوذ نظام إيران، والسماح له بتجاوز العقوبات كجزء من مخطط استراتيجي شامل، يدعم التغيير في المنطقة العربية، والخليج على وجه الخصوص.
أحدث خروج أوباما من البيت الأبيض، ودخول دونالد ترامب، تحوُّلاً في الاستراتيجية الأمريكية قصيرة الأجل؛ ما أدى إلى إلغاء الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات الاقتصادية على إيران وفق آلية تطبيق مُحكمة، حرمت نظام طهران من موارده المالية وقدراته الاستثنائية، ونتج منه ضعف شامل في المالية العامة، أثرت في الداخل قبل الخارج.
شكلت أمريكا «مجموعة عمل» بهدف فرض احترام العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران، وجعلت المبعوث «بريان هوك» رئيسًا لها. هوك أشار في تصريحات صحفية إلى أنهم «ملتزمون بتلك السياسة التي تضع أقصى ضغوط اقتصادية على إيران؛ لأنها ناجحة؛ إنها تحرم النظام من مستويات عائدات تاريخية». وهذا ما حدث بالفعل، وأكده المرشد الإيراني علي خامنئي بقوله إن «العقوبات تضغط فعليًّا على البلاد وعلى الشعب».
ما يحدث من ثورة مفاجئة في إيران هو نتاج للضغوط الاقتصادية، وانعكاساتها على الداخل الإيراني. وأحسب أن ما يحدث في العراق ولبنان أيضًا على علاقة بالضعف الإيراني، وتوقُّف التدفقات المالية الداعمة للأذرع الإرهابية المتحكمة هناك. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الميليشيات الإيرانية في سوريا واليمن، وإن كنتُ أعتقد أن التمويل القطري قد يكون بديلاً للحوثيين في الوقت الحاضر؛ فقنوات التمويل القطرية كانت - وما زالت - موازية لقنوات التمويل الإيرانية، وبخاصة في اليمن؛ ما يحملني على الاعتقاد باستمراريتها ما لم تُتخذ ضدها إجراءات حازمة، تسهم في وقفها فورًا.
أعتقد أن ميليشيا الحوثي الإيرانية، وأتباعهم الجدد، ليسوا من المؤدلجين كما هو الحال في حزب الله والحشد الشعبي، بل إن اصطفافهم خلف زعيم الحزب جاء لأسباب مالية صرفة؛ والدليل أن غالبية المنضمين للحزب هم من خارج دائرة الحوثي الطائفية؛ ما يعني أن وقف التمويل سيسهم في تعجيل انقلابهم عليه، والانضمام للشرعية؛ وهو ما يستوجب العمل على تحقيقه.
المراهنة على أهمية انقطاع التمويل الإيراني لإضعاف الحوثي مراهنة خاسرة بوجود البديل القطري؛ وهو ما يفرض على دول التحالف العمل لوقف التدفقات المالية القذرة أيًّا كان مصدرها، وفي مقدمتها الأموال القطرية التي تزيد من أمد الحرب، وتتسبب في تدمير اليمن وشعبه.